أخيراً، عثر المدعوون على أماكن جلوسهم في المطعم الكبير، على شفا الوادي السحيق. أنغام وأغان تصدح ويتردد صداها، لا تختلف عن تلك التي توضع في السهرات العادية. فقط الأزياء والتسريحات ونظرات التمعّن والتمحيص النسائية توحي بأن المناسبة عرس. الرجال يرتدون ثياباً صيفية عادية. وحدهم المقرّبون من العروس والعريس يلبسون بزات سوداء وكحلية. ولذلك تجد الذكور لا يتبادلون النظرات في ما بينهم. تراهم منكبّين على مسح العرق الذي تصبب منهم في الطريق الطويل إلى ساحة «الواقعة». الطاولات مليئة بكل أنواع المقبّلات التي تدعو الحاضرين، بشيء من الغواية إلى... التهامها. يد تمتد إلى ورقة خس، توقف تقدّمها يد أخرى تضع سواراً، وتقول صاحبتها: «عيب، بعد ما وصلنا، والعروس لم تأتِ». وتعممت حركة النهي هذه على كل الأيادي الخشنة، فقوّم الرجال قعدتهم في انتظار الفرج. فجأة، ظهر هودج ترزح تحته مناكب عريضة بسبب ثقل العروس الجسيمة. تعثّر الحاملون قليلاً عندما حاولوا تفريغ «الحمولة». كادت العروس تهوي لولا همّة الحضور والسواعد القوية. وأخيراً، حطّت على الأرض، وأطلّت بكل بهائها. وتغيّرت الألحان والأغاني لتصدح أخرى اختيرت للمناسبة. وحين همّ الرجال باستئناف الأكل، استُوقفوا مجدداً بسبب زفّة العروسين. والزفة أنواع، تستلهم الفولكلور، وتطعّم برقصات مختلفة. تلك الزفة تخللها «بْريك دانس». ولم لا؟ فضروب الرقص عالمية والعولمة تسمح بالنهل منها. وقد وصل «هز البطن» التركي الأصل، الذي يسمّى بالرقص العربي، إلى الغرب، حيث وُضعت له أصول وباتت له مدارس. انتهت الزفّة بدخان كثيف غطى المكان، وعندما انحسر ووضحت الرؤية، كانت الأيادي قد أمعنت في الغَرْف من الصحون، والأفواه تمضغ كلاماً وتتحدّث طعاماً. وكؤوس الأنخاب تتناطح مصدرة رنيناً يرافق لمعان أسنان الابتسامات. إلّا تبادل النظرات على الفساتين والتسريحات والحلي والأقراط... بقي على حاله. ثم جاء الرقص ونزل الكل إلى الساحة، وذابت الخلافات بين الأهل والأصحاب. ورمقت الأم تصرفات ابنة الخال ووجدتها ظريفة، وأمّلت نفسها بأن تطلب يدها لاحقاً. واستطاع شاب أن يضرب موعداً مع صبية بصوت مرتفع، ولم يسمعهما أحد بسبب الصخب والانشغالات. من شرفة المطعم الواسعة لمعت المفرقعات في أجواء القرى المجاورة المشرفة على الوادي السحيق. أعراس كثيرة جرت في هذا الصيف... وزفّات.