يلتهم خروفا في 30 دقيقة    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    أقوى 10 أجهزة كمبيوتر فائقة في العالم    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    إصابة طبيب في قصف إسرائيلي استهدف مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    3 أهلاويين مهددون بالإيقاف    اختبارات الدور الثاني للطلاب المكملين.. اليوم    "مركز الأرصاد" يصدر تنبيهًا من أمطار غزيرة على منطقة الباحة    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    «الغرف»: تشكيل أول لجنة من نوعها ل«الطاقة» والبتروكيماويات    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    رصد أول إصابة بجدري الماء في اليمن    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    آل غالب وآل دغمش يتلقون التعازي في فقيدهم    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    المملكة تعزز التعاون لمكافحة الفساد والجريمة واسترداد الأصول    نائب وزير التجارة تبحث تعزيز الشراكة السعودية – البريطانية    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    القِبلة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    30 عاماً تحوّل الرياض إلى مركز طبي عالمي في فصل التوائم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    المدى السعودي بلا مدى    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدي أحمد علي: سينمانا تخوض معركة حياة أو موت
نشر في الحياة يوم 10 - 08 - 2012

ليس غاضباً تماماً، وليس راضياً تماماً. انه يراقب ما يحدث في وطنه مصر، ويسجل الملاحظات في رأسه، ربما من أجل اعمال مقبلة او من اجل معارك داهمة. مستقبل مصر يهمه قبل اي شيء آخر... لكنه لا يرى مستقبلاً لمصر خارج الحرية والوعي، ولا يرى مسقبلاً لهذين خارج الفن بالتالي خارج السينما. وهو على هذا الأساس يحدد «معاركه» وسلّم اولوياته. ويقول ما يتعين عليه ان يقول. مجدي احمد علي الذي التقيناه في نيودلهي حيث شارك كعضو في لجنة تحكيم مهرجانها، هو واحد من ابرز مخرجي السينما في مصر على رغم قلة عدد الأفلام التي حققها حتى الآن... وعلى قلة أفلامه فإن كلاً منها يشكّل حدثاً في الحياة السينمائية المصرية. هكذا كان حال «يا دنيا يا غرامي» وحال «خلطة فوزية» وبقية اعماله. هو اليوم، من دون ان يتوقف نشاطه الإبداعي، المسؤول «الرسمي» الأول في مصر عن السينما وهمومها من خلال رئاسته المركز القومي للسينما. ومن هنا جاء الحوار معه متشعباً غنياً... وغالباً مفاجئاً في صراحته من جانب «مسؤول رسمي»... ترى من قال ان ثورة الشعب المصري لم تمرّ من هنا؟
ماذا عن التحديات التي تواجه السينما المصرية بعد انزياح ثورة 25 يناير عن الخط الذي شكّل الشرارة الاولى للثورة؟
- قبل الحديث عن تداعيات الثورة على السينما المصرية، لا بد من الإشارة الى ان هذه الصناعة دخلت في دوامة المشاكل قبل فترة، وتحديداً نتيجة الأزمة المالية العالمية، ما أثّر سلباً في عملية توزيع الفيلم المصري في الخارج وشكل الإنتاج السينمائي. ثم أتت الثورة وضربت الصناعة السينمائية ضربة قاسية، وساهم الفراغ الأمني في انصراف الناس عن الذهاب الى الصالات، ما ادى الى انهيار موقت لهذه الصناعة، وما كان من النجوم إلا الاتجاه الى الدراما التلفزيونية، كونها تعود عليهم بمرتبات ضخمة. وللأسف لم يفكر احد فيهم ان يغير تصرفه تجاه السينما بعد الثورة. فمن المعروف في مصر ان النجم يستهلك غالبية موازنة الفيلم، ولا يصرف إلا القليل على بقية العناصر من سيناريو وإخراج وأمور تقنية. وللأسف فضّل هؤلاء اللجوء الى الحل الأسهل، وهو الهروب الى التلفزيون، وهكذا انتج 90 مسلسلاً هذا العام، وهو رقم غير مسبوق.
حكي عن نحو 60 مسلسلاً مصرياً لشاشة رمضان 2012؟
- صحيح عرض نحو 60 مسلسلاً على الشاشات، لكن 90 مسلسلاً انجزت هذا العام. وهو رقم كبير جداً، حتى في ظل عدم وجود أزمة. وأعتقد بأن منتجي التلفزيون استغلوا فرصة ابتعاد النجوم عن السينما كي يستفيدوا من حضورهم على الشاشة الصغيرة. تُضاف الى هذا الأزمات المزمنة التي لها علاقة بنمط الإنتاج السينمائي المعتمد على النجم، والذي لا يشجع كثيراً الانتاج المستقل. وطبعاً هناك ظروف الرقابة التي أضيفت اليها الرقابة الدينية او اذا جاز التعبير الرقابة الشعبوية. فاليوم صارت هناك تسميات جديدة مثل الفلول والسينما النظيفة، الخ... دخلنا في انواع اخرى من الحجر على حريات المبدعين. طبعاً، لسنا في افضل احوالنا. السينما المصرية ليست في افضل احوالها. ولكنّ هناك حراكاً أيضاً. وكثيرون لم يستسلموا. عدد كبير من السينمائيين الشباب يحاولون العمل. نجحنا هذه السنة في المركز القومي للسينما في تقديم دعم الى 36 فيلماً من اموال كانت عندنا من وزارة المالية. المركز القومي بنفسه ينتج أفلاماً تسجيلية وقصيرة وهناك موازنة جديدة لهذا العام. هناك تشجيع للمهرجانات المحلية، وقد خصصت وزارة الثقافة اموالاً لدعم بعض المهرجانات على ان تقيمها - وهذه أيضاً من آثار الثورة المصرية - جمعيات أهلية لا الدولة التي اكتفت بفكرة الدعم. وإضافة الى المهرجانات الموجودة على الساحة المصرية مثل «القاهرة» و «الاسماعيلية» و «الاسكندرية»، ولدت مهرجانات جديدة مثل مهرجان الاقصر للسينما الأفريقية الذي عقد على رغم سوء الأوضاع سياحياً وأمنياً. وهناك أيضاً مهرجان آخر في الأقصر للسينما الاوروبية ومهرجان في الغردقة للسينما الآسيوية، كل هذا إضافة الى أفكار مهرجانات اخرى لن ادخل في تفاصيلها الآن. ما اريد قوله اننا نحاول ان نحرك الوضع السيئ الموجود اليوم. نحاول ان نؤكد ان الفنانين والقوى الليبيرالية المصرية لن تسكت.
هل الحركة هذه تكفي كردّ فعل على الأصوات الرافضة لكل أشكال الفن؟
- هي ليست رد فعل انما معركة حياة او موت. في البداية كانت ضرورة بمعنى انه كان لا بد من الحراك لهزّ مجتمع هو بطبيعته محافظ وميال الى الاعتياد لا الى التمرد والتغيير. أضيفت إليه طبعاً قوة هي ليست محافظة فقط انما متطرفة ولها خطاب معلن شديد العداء للفن والإبداع وحرية المرأة وفكرة المواطنة: فكرة ان هناك عوامل مشتركة تجمع الناس القاطنين في وطن واحد، منها الدين، من دون ان يكون الوحيد. كلها امور تميز اي دولة حديثة. ووظيفتنا كلنا ان نصل اليها عبر الفن وعبر وسائل اخرى. هي معركة قديمة زادت حدّتها الآن نتيجة القوى السياسية التي قفزت على السلطة وخطفت في شكل او في آخر الثورة المصرية.
الى اي درجة هناك خطر على الفن في مصر؟
- من اكثر الاخطار التي نواجهها اليوم الخطر على الفن. وتكمن الخطورة بشغل الناس بقضايا اخرى شديدة الالتصاق بحياتهم على سبيل اقناعهم بأن لا وقت الآن للخوف على الفن وأن هناك اموراً كبيرة أخرى لا بد من الاهتمام بها، بالتالي ان يبقى الفن مهمشا وننسى قضاياه في هذه الفترة، لأن «الأكل والشرب والأمن اهم من أي شيء آخر». الاقتصاد والأمن مشكلتان كبيرتان تجعلان هذه الامور على الهامش. لكن دورنا ايضاً اننا حتى في هذا الهامش الضيق لا بد من التحرك. فالثقافة دوماً كانت تعيش في المجتمعات الديكتاتورية على الهامش. من هنا لا بد من ان نستغل هذه الهوامش أقصى درجات الاستغلال. لكن المشكلة اننا فرحنا بالثورة وهللنا لها واعتبرناها نقلة جديدة لفهم عام عن الفن والثقافة والحياة، لكن هذا لم يحدث. من هنا لا بد من ان نعترف بسرعة بالواقع ونهضمه كي نتمكن من مقاومته. لا يجوز ان نبقى فاغري الأفواه وغير قادرين على تصديق ما يحدث امامنا. ما حدث هو ان الثورة المصرية العظيمة اختطفت من امام أعيننا بواسطة قوى اكثر تنظيماً، وهي للأسف قوى ان لم تكن متطرفة فهي على الاقل محافظة جداً.
سلاحنا روح الشعب
ما هي اسلحة مقاومتكم لهذه القوى؟
- نعتمد أولاً على روح الشعب المصري. فهو شعب متسق بتاريخه في الحضارة القديمة كلها، وهو شعب، لأنه يزرع الارض، ميال للسلام مع النفس ومع الجار والارض والمناخ. بمعنى انه يتعامل مع الطبيعة ويسيّر احواله بهدوء، فهو من هذا النيل الذي يصخب ويهدأ ويملأ الأرض ماء، يزرع ويجلس شهوراً ببطء شديد بانتظار المحصول قبل ان يحصده ويخزنه. شعب تعامل مع التاريخ في شكل هادئ فيه درجة راقية من السياسة. هو ليس شعباً متطرفاً. والاعتماد على هذا مهم ولكن الشغل على عدم حصول عكسه ضرورة، لأن هناك للأسف قوى تستعمل كل الوسائل بما فيها المال الذي يضخ من خارج مصر لأسباب سياسية ليست بريئة على الاطلاق وهدفها إنهاء دور مصر في المنطقة، لأنه لو اخذ هذا البلد دوره الطبيعي سيغير شكل المنطقة كلها وسيقودها الى تقدم وتنمية، ما سيضعها على خريطة العالم. من يقف وراء كل هذا، قوى ليست لها مصلحة في ان تلعب مصر هذا الدور. وأنا اشك جداً بتدفقات الاموال التي تعمل على هدر هذا الدور وتنهيه في شكل نهائي.
واضح انك متشائم من إمكان تبدّل الامور على المدى القريب؟
- قد لا اكون متشائماً، لكنني لست سعيداً بتطورات الامور على المدى القريب. ولكن على المدى البعيد، مثلما قلت، اؤمن بهذا الشعب، فهو ليس بسيطاً وليس سهلاً أخذه الى سكك لا تتّسق وطبيعته. ممكن ان ينسى نتيجة الظروف. ممكن ان يمنح صوته لقوى معادية لمصلحته، ولكن لن يطول الامر. عندما هبطت جماعة «الإخوان المسلمين» والقوى الاسلامية ب «الباراشوت» على الثورة واختطفتها كان لديّ إحساس انهم لن يتركوا قيود السلطة بسهولة، وقلت في نفسي انه يلزمنا على الاقل 10 سنوات لنهزّهم من مكانهم لأنهم يقنعون الناس بأنهم يتكلمون باسم ربنا. لكنني فوجئت انهم من الحماقة بحيث انهم يمعنون بارتكاب اخطاء سياسية بشعة، ومن الجهل والغباء السياسي بحيث ان الناس بدأت تكتشفهم بصورة أسرع بكثير مما تصورنا.
ولكن مستوى الأميين في مصر كبير جداً، وبالتالي يشكلون بيئة حاضنة ل «الاخوان»؟
- لا يهم، لأن الناس سيكتشفون في النهاية انهم لا يمكن ان يعيشوا ويقتاتوا من الكلام والايديولوجيا. هم يريدون ان يعيشوا ويستمتعوا بحياتهم، فالمصري شعب يحب الحياة. هو شعب متدين وفي الوقت ذاته محب للحياة. ليس شعباً كارهاً للحياة و «بايعاً» للدنيا من أجل الآخرة. ليس صحيحاً... هو شعب يعيش على المثل الذي يقول عش لدنياك كأنك تعيش الى الأبد وافعل لآخرتك كأنك تموت غداً.
الإسماعيلية بداية التحدّي
بالعودة الى المهرجانات، نظمت الشهر الماضي دورة جديدة من مهرجان الاسماعيلية على رغم الظروف الصعبة التي تعيشها مصر، والتي تولد هواجس حول عدم انعقاد المهرجانات؟
- هذا صحيح. نحن دخلنا في هذا التحدي. وبالنسبة الى الاسماعيلية، كان هذا التحدي مباشراً لي كرئيس المركز القومي للسينما الذي ينظم المهرجان والمسؤول عنه في شكل مباشر. كانت الموازنة المخصصة لهذه الدورة نصف الموازنة التي اعتاد ان يصنع بها المهرجان، كما كان عامل الوقت في غير مصلحتنا، إذ تسلمت مهامي في كانون الاول (ديسمبر) والمهرجان يعقد عادة في تشرين الاول (أكتوبر). كان الموعد السنوي فات، وكان لا بد من ان أنظم دورة جديدة كي لا تذهب الموازنة المرصودة له، لأن السنة المالية عندنا تفقد في نهاية حزيران (يونيو). اما التحدي الثالث فكان أمنياً. كان هناك رفض كامل لعقد الدورة سواء على مستوى الوزارة او المحافظة فكانت هناك رغبة بالتأجيل. وهكذا واجهت مشاكل مالية ولوجستية وأمنية. لكنني كنت مصمماً على ان يُعقد المهرجان لكل الاسباب التي تناولتها في حديثنا. كنت أريد ان أبعث برسالة للعالم كله بأننا نقاوم ونؤدي عملنا. وفي الحقيقة كنت دائماً معجباً بتجربة الشعب اللبناني، وتغلبهم على الحرب، حيث كانت القذائف تملأ الأحياء في النهار وتراهم في الليل يسهرون ويحتفلون، حتى الاعداء كانوا يجتمعون في المكان الواحد وكأن شيئاً لم يكن. ومن هنا قلت للوزير والمحافظ ما الذي يضمن لكما ان الأيام المقبلة ستكون أفضل اذا أجلنا المهرجان؟ وكنت أرى ان اي تحليل عاقل لا بد من ان يستنتج ان امام مصر على الاقل 10 سنوات من اللاإستقرار. فهل سنكتفي بالمشاهدة او سنحاول ان نعيش حياتنا ضمن هذه الظروف وبقسوة هذه الظروف؟ طبعاً عقد المهرجان، على رغم اعتذارات اللحظات الاخيرة، فبعض الضيوف وأعضاء في لجان التحكيم اعتذروا قبل 48 ساعة عن عدم المجيء الى مصر بعدما نصحتهم سفارات بلادهم بذلك لأسباب امنية، وكان علينا ايجاد البديل بسرعة. وفي المقابل، كان هناك بعض الأشخاص الذين اصروا على الذهاب الى الاسماعيلية للوقوف مع الشعب المصري ودعمه. ولم يكن في حسباننا ان اعلان اسم الرئيس المصري سيتأجل. كنا متصورين ان الرئيس سيحدد قبل بداية المهرجان بأسبوع، ولكن صار التأجيل، واعتقد بأن لو كانت النتيجة لمصلحة احمد شفيق لكنا سنشهد كارثة امنية. وهنا ايضاً كان الله معنا. فأنا اؤمن بأن المرء حين يصرّ على النجاح في امر لا يمكنه ان يفشل، طالما اشتغل بإخلاص. اما المهرجانات الاخرى فمستمرة. لكن الموضوع ليس موضوع مهرجانات وحسب. فالبنية التحتية للسينما المصرية في حالة رديئة جداً، لذا نريد تحسينها وهناك محاولات مع الاتحاد الاوروبي لذلك. كما هناك محاولة لإنهاء موضوع الرقابة والوصول الى قانون جديد للرقابة على المصنفات الفنية اكثر حرية. وهناك محاولة لإصلاح المركز القومي نفسه ادارياً ولوجستياً، وإصلاح المجلس الاعلى للثقافة كله باعتباره لا يتناسب مع ظروف ما بعد الثورة في مصر. عندنا تحديات كبرى في مصر. وأنا اعتبر نفسي جزءاً من حركة الثقافة في هذا البلد. ودورنا جميعاً كمثقفين ان نحاول تحقيق مناخ يشجع على الإبداع وممارسة الأنشطة الثقافية والفنية لأنها الضمان الوحيد لمقاومة التطرف بكل أشكاله.
لكن ما يحدث على ارض الواقع اليوم يشير الى استبعاد اي دور للفن؟
- علينا ان نعترف اننا في بلاد محافظة. بلاد لم تنضج الدماغ السياسية فيها بعد. الصراعات الإيديولوجية التي تريد ان تجر منطقة بأكملها الى الوراء ستعمل بجد. ولكن بعد الاعتراف بهذا، علينا ان نعمل. الاستسلام والفرجة على ما يحدث خطران شديدان. علينا ان نتظاهر وكأن لا شيء يحدث ونعمل حتى أكثر من العادي لنقاوم الخطأ.
ما تقويمك لما اصطلح على تسميته «افلام الثورة»؟
- بصراحة لم تعجبني كثيراً. قليل منها مسّ روح الثورة في شكل حقيقي. وبرأيي ان الثورة كما انها ولدت من دون زعيم ولدت ايضاً من دون تعبير فني قوي. فالموسيقى والغناء والسينما التي خرجت منها لم تكن بمستواها. نحن شعب بطيء، ليس بالمعنى السلبي للكلمة، ولكن بمعنى الهضم. وأعتقد اننا سنهضم الثورة والتغيير الحادث وسنقدم أعمالاً جيدة مع الوقت.
هل ترى ان سبب رداءة الافلام ان بعضهم اراد ان يركب الموجة مهما كان؟
- صحيح كانت هناك موجة لم تكن لمصلحة الفن ولا في مصلحة السينما ولا حتى في مصلحة الثورة. بعضهم حاول ان يستغل الفرصة ويستعرض. كما كان هناك ضغط من الخارج، ما ادى الى نتائج غير ايجابية.
ثقافة البحث عن طريق
أي ثقافة اليوم في مصر بعد الثورة؟
- ثقافة البحث عن طريق. الثورة كانت تعرف ماذا ستهدم، لكنها لم تكن تعرف ماذا ستبني. البحث عن طريق سيأخذ وقتاً ونرجو ان يتم في شكل سلمي وهادئ وحقيقي وعميق لأن الأخطار مهلكة في هذه الأزمنة. وكأنك اليوم تسير في متاهة، لو سلكت الطريق الخطأ منذ اللحظة الاولى لن تتمكن من الخروج لسنين طويلة. من هنا لا بد من ان ندرك ان الخطوات الأولى مهمة جداً لتحديد المسار.
بعيداً من الثورة وأحوالها، تحضّر منذ فترة لمسلسل عن بليغ حمدي، ماذا عنه؟
- منذ خمس سنوات وأنا اعمل في هذا المشروع. كان متعثراً في مدينة الانتاج الاعلامي، وأعتقد انه بات اليوم بين مشاريعي الأقرب الى التحقيق، خصوصاً انني اعمل في السينما على موضوع صعب عن الحركة السلفية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وهذا يستلزم وقتاً، لذا حركت مسلسل بليغ. وسأبدأ «الكاستينغ» بعد العيد.
هل سيكون جاهزاً للعرض في موسم رمضان المقبل، ام انه قد يعرض قبل ذلك؟
- لست من اولئك الذين يحرصون على عرض اعمالهم في رمضان، بل ارى ان الضغط الدرامي في هذا الشهر لا يلعب لمصلحة الأعمال التلفزيونية. هناك فوضى وعدد كبير من المسلسلات بحيث لا احد يتابع شيئاً.
هل اخترت التطرف موضوعاً لفيلمك الجديد لتلحق بموجة الأفلام الكثيرة التي تطرق هذا الباب اليوم؟
- كنت دوماً مشغولاً بهذه القضية وأرى ان الشبان الذين يسيرون في هذا الدرب محبون للحقيقة والوطن، لكنهم أُخذوا الى سكك خاطئة. ولا ابالغ إن قلت انني احبهم، فهناك افراد من أسرتي ساروا في هذا الاتجاه، لذا احرص على ألا اكون سلبياً تجاههم. اريد ان أناقشهم لأن الموضوع يؤثر في مجتمعاتنا بشدة، ووصل الى الأعماق. انا حافظ القرآن كله وعندي علاقات وثيقة بالكتابة والقراءة حول موضوع الاديان وبالتحديد الاسلام. وأعتبر نفسي شبه متخصص في هذه القضايا. من هنا كان لا بد من ان اصنع فيلماً عن الموضوع، علماً ان أفلامي السابقة تعج بالإشارات، أما الآن فحان الوقت لفيلم كامل يرصد هذه الظاهرة.
في كلامك تعاطف بعض الشيء مع هؤلاء الشبان على رغم انك لا تشاركهم آراءهم. ألا يقودك ذلك الى منطقة خطرة؟
- في الماضي وعند الحديث عن الماركسية كان يقال ان الأفكار صحيحة لكن التطبيق سيئ. انا في الفيلم انطلق من فكرة معاكسة. فالمشكلة برأيي في الافكار، وأرى ان هؤلاء الشبان ضحايا وليسوا سبب المشكلة.
لماذا اتجاهك اخيراً للكتابة في الصحافة المصرية؟
- نتيجة انني لا اعمل (يقول ضاحكاً). انا غاوي كتابة. اول عمل لي في مساري الاحترافي كان في مجال السيناريو من خلال فيلم «ضحك ولعب وجد وحب» مع نور الشريف ويسرا. كما ان سيناريوات افلامي كلها اتدخل فيها. الكتابة ليست بعيدة عني، ثم انني دخلت السينما اذا جاز التعبير من سكة الادب. كنت أكتب شعراً في صغري، وعلاقتي بالوسط الادبي في مصر اكبر من علاقتي بالوسط السينمائي. طلبت مني بعض الصحف والمجلات ان اكتب ففعلت من دون ان يكون هذا احترافياً. وبيني وبينك فلوسهم لم تكن سيئة.
واضح ان التجربة أعجبتك؟
- مهم ان يعبّر الواحد منا عن رأيه في ما يحدث. فهو لا يتوافر له هذا دوماً، خصوصاً في المواضيع السياسية.
قرأنا لك مقالاً تواجه فيه علاء الأسواني ومواقفه الداعمة ل «الأخوان». ماذا تقول للمثقفين الذين اختاروا دفة «الإخوان»؟
- موقف علاء ومجموعة من المثقفين الأصدقاء احترمه وأعتبر أن علاء صادق ومخلص لمصر ويحب وطنه جداً. ولكن هناك نوعاً من التخوف الزائد من فكرة سيطرة العسكر. حكم العسكر كلمة أطلقت بشكل فيه درجة كبيرة من العشوائية. اولاً نحن لم نعش حكم العسكر، وإذا اعتبرنا مبارك عسكراً فمخطئين، لأنه لم يعد كذلك منذ حكمنا، بل حاول ان يحيّد العسكر وأدى الى افساد شديد جداً للمؤسسة العسكرية. إفساد مقصود بهدف عزلهم وإلهائهم بأموال ضخمة. بهذا المعنى كانت المؤسسة العسكرية ضحية نظام ديكتاتوري فاسد وفاشل، وكان علينا مساعدتهم. هم ارتكبوا أخطاء هائلة في حق الوطن والثورة. وانا اعتبرها اخطاء لأنهم ليسوا طبقة مستفيدة بهزيمة الثورة. كانوا ضد ثلاثة امور: التوريث وفساد رجال الاعمال والداخلية. بهذا المعنى يمكن التعامل معهم لأن موقفهم هنا كان واضحاً. هم لديهم فساد ايضاً. تعاملوا بقسوة شديدة مع حركات التمرد الشعبي. وهذا غير مقبول. لكنّ علاء الاسواني ومجموعة الاصدقاء وصلوا الى قناعة بأن مرسي هو البديل. انا ارى ذلك خطأ لأن «الاخوان» بديل اكثر سوءاً، ومهما كان سوء المؤسسة العسكرية كبيراً، لا يمكن مقارنته على الاطلاق بمجموعات من الناس تعتقد بأنها تتحدث باسم الله وممولة من الخارج في شكل فجّ وأهدافها ليست نبيلة وليست هي الوطن. يتكلمون بأيديولوجيا لا علاقة لها بالتاريخ الحديث ولا القديم. يريدوننا خارج الزمن. لذا ارى ان هناك عمى سياسياً عن ادراك واضح. اخترت ألا اؤيد احد المرشحين. ولا يمكن ان يتحول موقفي الى تأييد «الاخوان» لأن عليّ ان ارفض الخيارين بالقوة ذاتها وأن اتعلم هذا الرفض وألا آخذ طريقاً واحدة. ولا يمكن ان اخدع بفكرة الانتخابات بمعنى ان هذا الرئيس منتخب ويجب ان نقف الى جانبه. كلا، نحن نعلم أن لعبة الانتخابات في البلاد المتخلفة هي لعبة أكثر منها تعبيراً حقيقياً عن رأي الناس. وطبعاً لا وجود لشيء اسمه ديموقراطية في ظل توزيع سكر وشاي على الناس وفي ظل احزاب قائمة على اساس ديني، احزاب ليست مع فكرة المواطنة، احزاب غير مؤمنة بفكرة الديموقراطية اصلاً. فحين تنظم انتخابات وتجعل الحزب النازي مثلاً يدخلها على رغم انه رافض اصلاً للديموقراطية، كيف تستغرب ان يقفز هتلر جديد الى السلطة؟ الديموقراطية لا بد من ان تكون لها قواعد. وأهم قواعدها ان يكون الجميع مؤمنين بها. لكن هذه القوى غير مؤمنة بالديموقراطية إلا باعتبارها وسيلة أكثر أمناً للوصول الى السلطة. وفي لحظة الحصول على السلطة لا ديموقراطية. قالها في الماضي عباس مدني في الجزائر ولم يتنبه اليه احد. قال ابتداء من غد لا ديموقراطية ثم قفز عليه العسكر. نحن لا نريد ان نصل الى هذا الحد.
حدثنا عن مشاركتك في لجنة تحكيم مهرجان نيودلهي للسينما؟
- سعيد جداً بمشاركتي في المهرجان، وقد فوجئت بأنه منظم بدرجة فاقت تصوري. وعلى رغم ان الجو حار لكننا مستمتعون. هناك عدد كبير من الفئات في البرنامج. ومن يريد ان يشاهد أفلاماً سينمائية يشاهد تنويعة هائلة من الافلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.