يشعر المخرج داود عبدالسيد بالقلق الشديد لما يجري الآن من أحداث سريعة في مصر وهي في صدد تشكيل مجتمع ونظام سياسي كامل سيكون له تأثيرات كبيرة في مستقبلها، وهو يلخص تخوفاته في حواره مع «الحياة»، فيقول: «لدينا مشكلة هي أن من بدأ هذه الثورة هو شعب ومن يستكملها هو شعب آخر، بمعنى أن من بدأ الثورة شباب الطبقة الوسطى الذين كان لديهم رفض للنظام القائم لأنه لا يلبي أي طموح إنساني لديهم والتحق بهذه الثورة باقي الشعب... والفريق الأول لديه تصور والفريق الآخر ليس لديه هذا التصور... مثل السلفيين والإخوان، خصوصاً الفريق الأخير الذي تحالف مع القوى الحاكمة، وهذا مثير للقلق، فدائماً ما يبحثون عن التحالفات والتقارب الذي يمنحهم مصالح ما... وأرى ما يحققوه من هذا التحالف لن يكون أكثر من مكاسب واستفادة قصيرة المدى، وهم لا يدركون أن الهدف الأكبر الآن هو إنشاء مجتمع يتمتع فيه الجميع بالحرية الكاملة على مستوى جميع الجماعات والأطياف السياسية، وليس من المفترض ان يكون الهدف الأكبر هو تحقيق مكسب سياسي سريع». وعما إذا كانت تخوفاته من المد السلفي وشبح التجربة الإيرانية بخاصة في الفن، أجاب قائلاً: «إذا حدث تأثير فلن يكون في الفن فقط، بل في المجتمع بأكمله، شبح التجربة الإيرانية إذا طبّق لن يقتصر على الفنون بل سيمتد الى العلوم والحياة وكل شيء، ولكنني لا أرى أن هناك قوة دينية حقيقية تستطيع الوصول الى الحكم تحت أي ظرف. فعلى رغم أن الإخوان برزوا والسلفيين خرجوا من أوكارهم والدولة أفرجت عن قتلة السادات واحتفى بهم الإعلام في شكل مستفز، إلا أن هذه ليست مصر على رغم إحساسي أيضاً بأن هناك شيئاً ما يتم لا أفهمه». وحول رؤيته لتكريمه في مهرجان تطوان في المغرب وكيفية استقباله كمصري بعد الثورة يقول: «لا اهتم بالتكريمات ولا انتظرها، ولكن الأهم في التكريم من وجهة نظري هو عرض الأفلام، فمثلاً عرض لي هناك أربعة أفلام وهذا شيء مهم. وعن الاستقبال، فأثناء إلقائي الكلمة ذكرت كلمة الثورة المصرية فضجت القاعة بالتصفيق وهذا يكشف عن قيمة ما فعله المصريون وقيمة الصدى الذي أحدثته الثورة حتى المغرب، وتظهر القيمة عندما تنظر الى الشرارة التونسية التي انتقلت الى مصر وعندما اشتعلت مصر انتقلت الى معظم الدول العربية». ديموقراطية اجتماعية وليبرالية ولأنه أحد مؤسسي الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، كان لا بد من معرفة ما يهدف إليه حزبه حيث يوضح داود أنه حزب يجمع بين جناحين الديموقراطية والليبرالية السياسية والنظرة الاجتماعية الى الطبقات الأقل حظاً في الثروة والأفقر، وتحمسه له لأنه كان يبحث عن حزب اشتراكي ديموقراطي وكان هو الأقرب إلى هذا، فضلاً عن جَمعه أيضاً أشخاصاً وتكتلات يثق فيهم جداً... كحملة ترشيح البرادعي وبعض شباب التحرير وبعض الأسماء المرموقة في المجتمع... لذا كان هذا الحزب هو الأقرب الى ما كان يبحث عنه. ويؤكد داود أنه ليس سياسياً ولا يريد أن يستبدل مهنته بمهنة أخرى ولن يتجاوز دوره لأنه لو تجاوزه فلن يسير على الطريق الصحيح، وليس معنى انضمامه الى حزب هو البحث عن منصب سياسي ولكنه دور اجتماعي وسياسي وفكري، خصوصاً أنه لم ينضم الى أي حزب طوال عمره وكان دائماً يشعر بعدم جدوى هذا الانضمام في المرحلة السابقة. وعن مرشح الرئاسة الذي سيختاره عبدالسيد في الانتخابات المقبلة، يقول: «محمد البرادعي، أرى ان الشعب أعطى نفسه هدية بهذا الرجل، وكان هناك بعض القدرية في إنهاء الرجل لعمله الدولي تزامناً مع الأحداث الأخيرة، وكلما قرأت للرجل أو شاهدته يزداد تمسكي باختياره، خصوصاً أنه وافق على أن يكون له دور في المرحلة الانتقالية الآن حتى وإن كان هذا سيبعده عن الانتخابات المقبلة، وهو بهذا يعلي من مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية. البرادعي كان متنبئاً بما سيحدث قبلها بعام، وقال لو قامت تظاهرة مليونية في مصر فسيسقط النظام وكان بمثابة زرقاء اليمامة. وسأحكي موقفاً يلخص ما تعرض له الرجل من افتراءات وظلم، فبعد «موقعة الجمل» قررت النزول من بيتي للتحرير وكنت أشعر أنني لا أملك لهؤلاء الشباب إلا أن أكون فرداً مضافاً الى عددهم. وفي طريقي جوار المنزل مررت بتظاهرة صغيرة لتأييد الرئيس ووجدت فيها أحد مخبري الحي وأعرفه شخصياً يرفع لافتة مكتوباً عليها: لا للتخريب لا للبرادعي. فسألت نفسي لماذا وسط كل ما يحدث وموقعة الجمل وهذا العبث، يقال: لا للبرادعي؟ والإجابة ان هذا الشخص مخيف لهذا النظام وبقاياه مع احترامي لعمرو موسى والصباحي وبسطويسي والآخرين... البرادعي هو الشخص القادر على إحداث تغيير حقيقي اعتماداً على معطيات كثيرة، لذا ستجد مهمة بقايا النظام هي إسقاطه في كل هذه الحرب الشعواء. ولذا يجب علينا أن نعي أن هذا الرجل مهم في تاريخنا». رقابة بربرية ويوضح عبدالسيد أنه إذا ظلت الرقابة السينمائية على جهلها وسطحيتها وبالقيادات نفسها التي تتلقى الأوامر من الأمن، «لن يتغير أي شيء، فهي رقابة بربرية شديدة التخلف لا بد من تغييرها بقانون جديد ولا بد من إحداث اختلافات أساسية على رغم أن الحقيقة تقول إن من الصعب تغيير ذلك الآن لأسباب عدة قانونية ومجتمعية ولا بد من العمل على حوار للتغيير». ويقول: «أنا لا أتحدث عن إلغاء الرقابة ولكن عن تغيير شكلها لأنني لا أريد رقابة على السيناريو لأنها رقابة على الأفكار، أما بعد خروج المصنف فأطالب بشرحه للجمهور، ان نقول له هذا الفيلم لفئة عمرية معينة أو يحتوي على مواد بعينها قد لا يرضى عنها، وهو حر في أن يشاهدها أو لا يشاهدها، فليس من الطبيعي أن تكون إنساناً راشداً فوق العشرين عاماً ومسموحاً لك بالتصرف في أموالك وحياتك وأفرض عليك وصاية في السينما والفنون». ويشير عبدالسيد إلى تفاؤله الشديد بمستقبل السينما المصرية، خصوصاً أن الإنتاج سيتطور في غياب القيادات الفاسدة كما أن المهرجانات السينمائية المصرية سيزداد بريقها على رغم أن في الظروف الاستثنائية التي نعيشها الآن يكون من الصعب ان تقيم مثل هذه الاحتفاليات لأسباب إدارية أو أمنية ولكن الأهم من الإلغاء أو استمرار الدورة أن نسأل أنفسنا كيف ستستمر هذه المهرجانات، فنحن بحاجة لإعادة صوغ كل هذه المهرجانات وأن نسأل أنفسنا عن أسباب قيامها. فإذا كنا نريد تقليد مهرجان «كان»، فهو نفسه موجود وتقليده عبث. واذا كانت تلك المهرجانات ناجحة بمعايير الماضي، فبمعايير الوضع الجديد أعتقد أنها ليست ناجحة. ويأمل داود عبدالسيد في أن يقدم فيلماً سينمائياً خلال الفترة المقبلة يلخص تطلعات المصريين في المستقبل ويرصد بصدق الواقع السياسي والاجتماعي الذي تعيشه مصر. وحول مدى تأثره بالواقعية السحرية لكتاب أميركا اللاتينية، يوضح أنه لا تهمه النظريات والأسماء، بل ما يهتم به أساساً هو تقديم فيلم سينمائي مكتمل البناء والعناصر الفنية المطلوبة، وأنه يترك الحكم للنقاد السينمائيين أو الجمهور. وحول علاقة الرواية بالسينما، حيث سبق لداود عبدالسيد أن قدم فيلم «الكيت كات» عن رواية «مالك الحزين» للكاتب والروائي المصري إبراهيم أصلان للسينما، وفيلم «سارق الفرح» عن قصة قصيرة لخيري شلبي، قال إن العلاقة بين الجنسين هي علاقة افتراس، وأنه يجب على السينما أن تفترس العمل الأدبي كما هو حال أكل حيوان لحيوان آخر، بهدف بناء جسمه من جديد. مضيفاً أنه لا ينبغي على المخرج السينمائي أن يتعامل في شكل رقيق مع الرواية، أو مع أي عمل أدبي، كما أن الكثير من المبدعين وهو منهم يؤمنون بأن القضية المطروحة على الورق هي البطل وليس الفنان. وهذا كان موجوداً في ظل السوق المصري، فنحن نبيع باسم النجم عندما نسوق خارج مصر، وإنما في السوق المصري البطل هو الموضوع والنجم هو عامل مساعد. فالهدف هنا هو الفكرة الفنية التي تقدم من خلاله وليس من خلال النجم الموجود في العمل. أما بالنسبة الى إعادة النظر في أجور النجوم التي كانت تتقاضى أرقاماً فلكية نظير أعمالها، فيرى داود أن المسألة عرض وطلب حيث تعتمد على تغير السوق وليس النجم هو المتحكم وحده بالأسعار، وهو ليس فقط العامل الوحيد لنجاح العمل وهذا الموضوع من الصعب ان يحكمه قانون خاص.