من الموسيقى الغربية إلى الضحكات والآراء الحادة المتباينة، يعكس «راديو زون» في العاصمة الليبية أجواء لا تشبه في شيء أجواء ليبيا معمر القذافي. ويقول فؤاد قريتلي (25 سنة)، وهو مقدم برامج في الإذاعة: «مر وقت طويل والناس لا يتكلمون في الإذاعات، لذلك أردنا إنشاء محطة يمكن أياً كان الاتصال بها وإبداء الرأي، من دون خوف من قطع الاتصال أو الاستهزاء بما يقول». وعلى مدى عقود طويلة، لم يكن في جعبة محطات الإذاعة الليبية الرسمية سوى خطابات «الزعيم معمر القذافي» ونشاطاته و «نظرياته» التي تحولت اليوم مدعاة للسخرية. ويقول قريلتي إن الإعلام الرسمي الليبي في العهد السابق لم يكن له دور سوى بث أخبار القذافي: «الزعيم دخل إلى الحمام، الزعيم اغتسل... كان الأمر بهذا الغباء. كانت الإذاعة الليبية أشبه بحساب فايسبوك شخصي للقذافي». ولدى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في شباط (فبراير) 2011 في بنغازي، ظهرت على الفور عشرات المحطات الإذاعية الخاصة، غالبيتها أنشأها شباب متعطشون إلى معانقة أولى نسائم الحرية في بلادهم بعد عقود من الحكم بالحديد والنار. وبتمويل من مجموعة أصدقاء، ذوي خبرة إعلامية، داخل ليبيا وخارجها، بدأ «راديو زون» البث في نيسان (أبريل) الماضي، ويعمل في هذه الإذاعة فريق من 21 شخصاً، بين منتجين ومقدمين وتقنيين. وتقول المذيعة أمل كريوي (30 سنة) إنها تحب عملها في هذه الإذاعة لأنه يمنحها الفرصة ل «تتجاوز نفسها». وتقدم أمل الفقرة الصباحية، بالاشتراك مع فؤاد قريتلي، ويعالجان مواضيع اجتماعية، مثل القيم التي لا بد من مراعاتها أثناء التظاهرات، وأهمية الانتخابات، والحفاظ على البيئة. ويجري التطرق إلى هذه المواضيع الجدية بقليل من الفكاهة أيضاً، وقد يوجه المذيع إلى مستمعيه سؤالاً على أنه سؤال معلومات عامة، لكنه لا يخلو من طرافة، مثل: «أين يذهب الذباب في الشتاء؟». وتقول أمل: «كل ما نقوله، بلا استثناء، من أول اليوم وحتى آخره، لم أكن أجرؤ على قوله قبل الآن». وتشير هذه الإعلامية الشابة إلى أنها تمكنت من مقابلة أعضاء في الحكومة الانتقالية الليبية بعد ثلاثة أيام فقط من تسلمهم مهامهم، وهذا طبعاً جديد على الثقافة السياسية والإعلامية الليبية. وتبث إذاعات مثل «راديو زون» أو إذاعة «تريبيوت إف إم» الناطقة بالإنكليزية، أغاني غربية، وهو ما كان محظوراً في زمن القذافي. ويقول عازف الغيتار عصام دهماني (36 سنة)، المعجب بفريقي «ديب بوربل» و «بينك فلويد» البريطانيين وكان يتابع إصداراتهما بفضل أصدقاء في الخارج، إن «الموسيقى الغربية كانت محظورة تماماً في عهد القذافي». ويعمل عصام في «راديو زون»، ويستذكر المتاعب التي عاناها في زمن «الزعيم»، بعدما عزفت فرقته أغنية «نوثينغ إلس ماترز» (لا شيء آخر يهمّ) لفرقة «ميتاليكا» في حفلة زفاف صديق. فقبل أن ينتهي من أداء الأغنية كانت الشرطة قد وصلت إلى المكان، ويقول ضاحكاً: «لن أنسى هذه الأغنية ما حييت». أما كريم أبو عزة، التقني في المحطة، فيقول، فيما يجهز أغاني غربية لبثها بين برنامجين: «أريد فقط أن أعبّر عن نفسي من خلال عملي».