تعرف أم شادي ما سيحدث غداً مع كل مواطن سوري. يكفي أن يتصل بها أحدهم على برنامج «شو اسمك؟ أم شادي بتخبرك» الذي تبثه إحدى إذاعات ال «أف أم» الخاصة في سورية، حتى تطلب منه اسمه واسم والدته، لتخبره عن أوضاعه الماليّة والعاطفيّة والعائليّة في الأيام المقبلة. كما تقدم للمراهقات، أحياناً، نصائح لاصطياد... العرسان. وعلى غرار «أم شادي»، فإن عشرات المذيعين والمذيعات مستعدون يومياً لسماع كل شيء: قصص الخيانة الزوجية، شكوك الزوجات... ورغبات المراهقين. وعلى الجمهور السوري أن يسمع، أو يتنقل إلى برنامج للمسابقات الخفيفة، أو يسمع أغنية هابطة، أو يُغلق الراديو. وبالتالي، فإن الخيارات كثيرة أمامه. ففي برنامج إذاعي صباحي، يختزل أحد المطاعم التجارية في دمشق، كل المناطق السياحيّة السوريّة طوال شهرين. فقط لأن الفقرة الإذاعية «بيعت» للمطعم! علماً أن الحد الإعلاني المسموح هو 15 دقيقة فقط في الساعة. وفي إذاعة «أف أم» أخرى، حوّلت إحدى الصحافيّات الشابات صفحتها في مجلة شبابية سوريّة، إلى برنامج إذاعي يحمل اسم الصفحة ذاته: «كريزي» (مجنون) واستخدمت في برنامجها طريقة الوعظ والتنظير الممل والمستهلك. لكن نموذج الاستشارات العاطفيّة هو الأكثر شيوعاً وانتشاراً بين البرامج الإذاعيّة حالياً. وتكمن المشكلة في أن الحلول تخرج من أشخاص غير متخصصين، هم غالباً مقدمو تلك البرامج، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الأزمات النفسية والعاطفيّة للمتصل الباحث عن «حل ما» لمشكلته، والذي غالباً ما يكون في سن المراهقة. وتحدث كثيرون عن تجاربهم مع مقابلات البرامج الإذاعية، وعن صدمتهم من جهل المُعدّين والمقدّمين بضيوفهم، حتى أن بعض الضيوف يُصححون معلومات بسيطة عنهم للمقدم أثناء البث... فضلاً عن أخطاء أخرى. هذه البرامج من إبداع إذاعات ال «أف أم» السوريّة، التي بدأ الترخيص لها قبل أقل من عشر سنوات. وهي إذاعات تجارية خاصة، يملكها رجال أعمال، يصفهم بعض العاملين بأنهم «صاحب المال، والمدير العام، والمدير الفني والتقني والمالي، ومدير الهواء... ولو كان بالإمكان لعملوا كمذيعين أيضاً». فالشرط الأهم للحصول على ترخيص إذاعة، هو أن تكون سورياً تمتلك المال. ويُمنع على هذه الإذاعات - بحسب الترخيص - بث نشرات الأخبار والبرامج والتعليقات السياسية، ما جعل أهدافها تقتصر على الترفيه، أي بث الأغاني وبرامج المسابقات والتنجيم القادرة على جلب الإعلانات وال sms. لذلك، «على السوريين أن لا يخافوا أبداً على مستقبلهم، ولا على سياحتهم، أو حتى على عواطفهم... بوجود هذه الإذاعات وبرامجها»، كما يقول أحدهم. إلى ذلك، تبث الإذاعات السوريّة الخاصة كل الأغاني الشعبية، حتى الهابط منها. وكانت جمعية نسائية سورية دعت قبل أكثر من سنة جميع الرجال أصحاب العلاقة الطبيعية برجولتهم، إلى إرسال خطابات احتجاج للإذاعات السورية التي تذيع أغنية «جمهورية قلبي» للمغني اللبناني محمد اسكندر، مطالبين فيها بعدم إذاعة هذه الأغنية. ونشر كثيرون من السوريين أخيراً عبر صفحاتهم في موقع «فيسبوك» الإلكتروني الاجتماعي، عبارات استنكار لما تبثه الإذاعات السوريّة من أغانٍ تدعو إلى العنف ضد المرأة. وطالبوا أصحابها بالكف عن الترويج للموسيقى الهابطة، واحترام الجمهور أكثر.