طفل صغير لم يتجاوز عمره ال11 عاماً يجلس خلف صندوق بلاستيكي أزرق اللون لا يتجاوز في أبعاده متري مربع، رفعه على طاولة خشبية أو «كرتون» كبير متماسك من الورق، رصّ فيه بشكل متناسق وجذاب أنواعاً متعددة من المفرقعات النارية بأسعار متفاوتة، وما أن يلمح سيدة مع أطفالها أو رب أسرة قادماً إلى المركز التجاري أو السوق الشعبية بصحبة أطفاله وزوجته إلا ويثب رافعاً صوته لمناداتهم إلى مبسطه الصغير، ليعرض عليه بضاعته مردداً «تشرون طرطعان» يا خالة أو يا عم؟ قنابل، صواريخ، ثوم، فحم، كبريت، نجوم الليل، كمثري، طرطعان، أبو ديك، وغيرها من المسميات كلها موجودة». وعندما تصل هذه السيدة أو رب الأسرة ذاك إلى المبسط، ويريان ما هو معروض فيه، تتعالى صرخات مرافقيهما من الأطفال لكي تشتري لهم أمهم أو يدفع والدهم، وإن أبدى الرجل أو السيدة ممانعة في بادئ الأمر، فإنه لا بد في الغالب أن يستسلما لعاطفتيهما ويلبيا لهم طلباتهم بالشراء، هذا نموذج من واقع المشهد الذي يبدأ بشكل يومي في رمضان في مدينة بريدة وعدد من محافظات المنطقة، على رغم مما يبذل من جهود أمنية وتوعوية للحد من بيع المفرقعات النارية وتبيان مخاطرها. وعادة يقترن ظهور هذه المفرقعات ورواجها مع إطلالة شهر رمضان المبارك كل عام ويتزايد تدريجياً انتشار عدد باعة هذه المفرقعات النارية أو «الطراطيع» من الأطفال والبالغين أحياناً في الأسواق الشعبية وأمام بوابات المجمعات التجارية الكبيرة التي بدأ يرتادها الناس هذه الأيام بكثرة مع قرب حلول دخول العشر الأواخر من رمضان، واتخذ هؤلاء الباعة أماكنهم بعناية على الأرصفة خلف مباسط صغيرة «مكشوفة» أمام المتسوقين دونما خوف من أحد قد يمنعهم. وفيما يقر المواطن «أبو بندر» بخطورة هذه المفرقعات النارية على الأطفال، وأنها وسيلة لتسهيل وصول «القداحات» إلى أيديهم يؤكد أنه عندما يلاقي إصراراً من أبنائه على شرائها لهم مقارنة بأقرانهم الذين يشتري لهم ذووهم، فإنه يقوم بشراء الأنواع الأقل ضرراً التي لا تستخدم فيها ناراًَ لفرقعتها لتقليل مخاطرها بأقل ما يمكن، وكثيراً ما أؤكد لأبنائي أنها ممنوعة، ولكن عندما نذهب للتسوق ونجدها أمامي لا أستطيع التماسك كثيراً، وإن أبديت ممانعة موقتة وأنت «تعرف كيف يكون شعور الأب لتلبية رغبات أطفاله»، واستغرب من رواجها، على رغم أن «المعلومات لدي أنها ممنوعة، وأنها تصادر بالأطنان فكيف تصل؟»، ودعا إلى مزيد من الرقابة عليها. أما المواطن أبو وليد فرأى أنها من وسائل إظهار الفرحة عند الأطفال ويلهون بها ويستمتعون بها كثيراً ولا يرى حرمانهم منها، وإن كان يقر بمخاطرها في حال أسيء استخدامها من ناحية تعرض الأطفال لإصابات أو حروق أو اشتعال حرائق بسببها أو ترويع المسنين بها أحياناً، لكن يجب أن يكون اللعب بها وإطلاقها تحت اشراف البالغين وتوجيههم لكي لا يحدث ما لا تحمد عقباه، وعدها «وسيلة ترفيه خطرة». وقال المواطن أبو عبدالإله انه لا يخفي مضايقته لجيرانه من أولادهم الذين يلهون بهذه المفرقعات أثناء أوقات النوم والتي تفزع الأطفال الصغار في أسرتهم من قوتها أحياناً وكثرتها بشكل لا يطاق، وعلى رغم ذلك فإن كل محاولاته تفشل، إذ يتوقفون فترة يوم أو يومين ثم لا يلبثون أن يعودوا إليها، وطالب بتكثيف الرقابة عليها بشكل أكثر من المعلن عنه بين حين وآخر، وتساءل من أين تأتي إذا. أما عن الرأي الشرعي تجاهها، فاتجه أغلب العلماء المعتبرين لتحريمها لما فيها من هدر للمال وإيذاء أناس بأصواتها وقد تحدث حرائق، ومن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين، رحمه الله، الذي لم ير جواز بيعها ولا شرائها، فيما اشترط من العلماء المعاصرين لإجازتها شروطاً منها ضمان عدم أذية الإنسان لنفسه أو لغيره من الآخرين، وعدم تسبب هذه المفرقعات في حرائق بحسب الشيخ سليمان الماجد، ولكن إذا كانت ممنوعة من السلطات المختصة، فينبغي على الناس الامتناع عنها. إلى ذلك، رأى المتحدث الإعلامي للدفاع المدني في منطقة القصيم المقدم إبراهيم أبا الخيل في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن «بيع وتداول الألعاب النارية ممنوع نظاماً والشرطة مخولة بالقبض على من يثبت بيعه وتداوله لهذه الألعاب»، وأكد له متفاعل معه في تغريدة أخرى المتحدث الإعلامي لشرطة القصيم العقيد فهد الهبدان أن «بيع الألعاب النارية وحيازتها قضية جنائية تستوجب الإحالة للمحكمة الجزئية».