وقف، ما إن شاهد صاحبه الصحافي يتوجه الى المكان الذي يقف هو فيه، وقف يضرب كفاً بكف، وعلى سيمائه أمارات الجدية. في مثل هذه الوقفات يعرف الصحافي سلفاً، أن حلاقه العجوز ليس جاداً على الإطلاق، وبالتالي أن السياسة اللبنانية ليست موضوع حديثه اليوم. إذاً؟ سيكون الموضوع مسلسلات رمضان، بالتأكيد، قال الصحافي لنفسه وابتسم مقترباً من جاره، فيما أخذ هذا يتمتم: «... والله يا أستاذ لم أعد أعرف شيئاً. لقد لعبوا في عقلي وجعلوني أرتكب كبيرة!». «من هم هؤلاء وما هي الكبيرة التي ارتكبتها؟» تساءلت عينا الصحافي قبل أن يفتح فمه بالكلام، ومن فوره انطلق الحلاق يفسر: «يا صديقي، أنت تعرف إنني، في رمضان على الأقل، أدمن مشاهدة المسلسلات. أتابعها غالباً من دون انتظام. تضحكني أحياناً، تحزنني في أحيان أخرى. لكنني أبداً لا أنتظر منها درساً أو معرفة، أو تحريضاً على ذنب أو بناءً لمستقبل ما. لكنني هذه المرة بتّ مستاء من نفسي كثيراً. أشعر انني ظالم... ليس مرة واحدة بل ثلاث مرات». كيف؟ تساءل الصحافي وهو يتصنع الاهتمام والدهشة. «بكل بساطة، لأنني وجدت نفسي منساقاً، وفي ثلاثة مسلسلات، الى اتخاذ موقف شعرت لاحقاً إنني متسرع فيه ولا يرضي ضميري...». كيف؟ كرر الصحافي سؤاله وقد بدأ بعض فضول يستبد به. فقال صديقه: «هل عيب أن يتزوج رجل امرأة على سنّة الله ورسوله في حكاية المسلسل؟ وهل ينبغي عليّ أن أكره رجلاً تقدم الى امرأة في الحلال واقترن بها، لمجرد أنها قبله كانت تحب غيره؟». أبداً... أجاب الصحافي، مضيفاً: اللهم إلا إذا كان زواجاً في الإكراه! «ابداً لوَّح الحلاق بيده مضيفاً، لقد حصل هذا ثلاث مرات في ثلاثة مسلسلات هي «ذاكرة الجسد» و«زهرة وأزواجها الخمسة» و«... ما ملكت أيمانكم». ففي كل مرة هناك رجل يتزوج من امرأة برضاها، وأحياناً إنقاذاً لها من ورطة أو من حب خائب. فإذا بالمسلسل يصوره مجرماً كريهاً، إن لم يكن في شكل مباشر، فبالمواربة، من طريق أسلوبه في اللبس أو في تدخين السيغار، أو بالتركيز على شرّ ما في نظراته. إن كل واحد من هذه المسلسلات بدا وكأنه يدفعني دفعاً الى كراهية هذا الدخيل خلال المشاهدة، فأكرهه... لكنني عند المساء وإذ افكر في الأمر، أستعيذ بالله وأقول: «ما ذنبه لأكرهه. فهو لم يقترف شراً، ولم ينتزع امرأة من زوجها... كل ما في الأمر أنه ليس البطل في المسلسل. فهل عليّ أن أكرهه لمجرد أن صانعي المسلسل يريدون مني ذلك؟». قال الحلاق هذا وراح يضرب كفاً بكف وعلى شفتيه ابتسامة تقول للصحافي ما قد يعني: «ها أنذا بدوري صرت ناقداً فنياً أليس كذلك؟».