لا تكاد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تنتهي من مشكلة بين فرقائها تهدد وحدة الأكثرية التي تتألف منها، حتى تقع في أخرى. فالأوساط السياسية والإعلامية المتابعة لتعثر الحكومة وتراكم المشاكل عليها رأت في نجاح القوى الرئيسة فيها في حل هذه المشاكل، لا سيما الأخيرة منها، بعودة الأساتذة عن قرارهم وقف تصحيح الامتحانات الرسمية على أمل إصدار سلسلة الرتب والرواتب الجديدة للقطاع العام، وفك اعتصام مياومي مؤسسة كهرباء لبنان وإنهاء اعتصام الشيخ أحمد الأسير وأنصاره في صيدا، قوة دفع لاستمرارها ولتخفيف العقد التي تقف في وجهها وإمكان مواصلة عملها. لكن ما لبثت أن نشأت مشكلة جديدة في وجهها هي المتعلقة بقرار المديرية العامة للأمن العام ترحيل 14 سورياً الى بلادهم، الأمر الذي لقي اعتراضاً قاسياً من وزراء «جبهة النضال الوطني» النيابية التي يتزعمها وليد جنبلاط، في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت الخميس الماضي، حيث شدد هؤلاء على ضرورة توضيح ملابسات القضية وفتح تحقيق في الأمر، على خلفية مطالبة جنبلاط بأن يصدر التوضيح عن الحكومة، في تصريحه الذي أكد فيه أن بين المرحّلين 4 ناشطين سياسيين ممن لجأوا الى لبنان هرباً من قمع النظام السوري، معتبراً أن ذلك «لا يصب في إطار سياسة النأي بالنفس، وهذا قد يتطلب إعادة النظر بكامل الموقف السياسي المتعلق بهذه السياسة». وإذ أكد رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في سياق إدانته ترحيل السوريين ال14، مطلب الكتلة وقوى 14 آذار بضرورة استقالة الحكومة، فإن ما قاله ميقاتي ليل أول من أمس في الإفطار الذي أقامه في السرايا الحكومية، عن أن «الواقع الإنساني للإخوة النازحين من سورية الذي يلقى منا كل رعاية، لا يجوز أن يكون عائقاً أمام تطبيق الأحكام القضائية التي تصدر عن المحاكم المختصة بحق مرتكبين لجنايات وجنح لا ارتباط لها بالسياسة...»، أثار غضب جنبلاط الذي اعتبر أن ميقاتي تبنى رواية المديرية العامة للأمن العام وحسم الأمر على رغم الاعتراضات التي كان أبداها وزراؤه في مجلس الوزراء وعلى رغم المعلومات التي لدى فريقه بأن بين من جرى ترحيلهم ناشطين سياسيين. كما أن فريق جنبلاط توقف عند قول ميقاتي إنه «من غير الجائز تسييس كل إجراء إداري أو أمني أو قضائي يستند الى القوانين». مثل سامي الصلح وقالت مصادر «جبهة النضال»، إن جنبلاط أوعز الى وزرائه أن يبلغوا ميقاتي موقفاً قاسياً حيال ما أعلنه، والطلب إليه توضيح الأمر وإعادة النظر في ما قال، وإلا سيكون للجبهة موقف من جهتها، خصوصاً أنها باتت تعتبر أن سياسة ميقاتي تحت شعار النأي بالنفس تقوم بتغطية ما يطلبه النظام السوري في لبنان. وفي انتظار اتضاح ما ستؤول إليه هذه القضية خلال الساعات القليلة المقبلة، حيث ينتظر فريق جنبلاط ان يوضح رئيس الحكومة موقفه، فإن الحكومة تواجه تحدياً جديداً في ضوء تزايد تداعيات الأزمة السورية على لبنان. وتقول مصادر وزراء «جبهة النضال» إن مأخذها على ميقاتي أنه يتولى الرد على موقفها من قضية السوريين المرحّلين، في وقت كان جوابه الأول لوزرائها ليل الأربعاء عندما أثار جنبلاط القضية معهم وطلب الى الوزير غازي العريضي ملاحقتها مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان وميقاتي، أن لا علم له بالأمر. ثم قيل له إن هناك سورياً واحداً رحِّل، ثم قيل له إنهم أربعة، وفي اليوم التالي حين اجتمع به الوزراء قبل جلسة مجلس الوزراء، قيل إنهم 14. وأكدت المصادر أن جنبلاط لن يتهاون في هذه القضية وسيصر على معالجتها بهدوء لكن بإصرار. هذا فضلاً عن ان «جبهة النضال» ابلغت ميقاتي قبل اسابيع قليلة بأنه «اذا كنت تريد ان تتحول الى سامي الصلح آخر فهذا شأنك» (نسبة الى رئيس الحكومة الراحل عام 1957 والذي ساير الرئيس كميل شمعون في مماشاته لحلف بغداد حينها ما ادى الى ابعاده عن رئاسة الحكومة). وتقول مصادر سياسية بارزة ل «الحياة»، إن الشلل الذي يتصف به عمل هذه الحكومة، والخلافات التي تعصف بمكوناتها في شتى القضايا المطروحة عليها جعل البحث في مصيرها طبقاً شبه يومي، ليس في تصريحات قادة المعارضة في 14 آذار التي لم تتوقف عن الدعوة لاستقالتها وإسقاطها فقط، بل في الدوائر العليا في الأكثرية نفسها، وحتى في الحلقة الضيقة المحيطة برئيس الحكومة نفسه، وهو ما دفعه الى القول في حديثه ل «الحياة» أثناء زيارته لندن، أن البلد يحتاج الى «حكومة استثنائية ولن أكون حجر عثرة إذا توافرت فرص تشكيلها». «خواطر » حكومية يرفضها «حزب الله» ويرى بعض الوزراء أنه حتى العقد الأخيرة التي واجهت الحكومة بعضها جرى حله خارج النطاق الحكومي، ومنها اعتصاما مياومي الكهرباء والشيخ الأسير، ما يدل الى «غيابها» عند البحث في المعالجات. ويقول هؤلاء إن ما قاله ميقاتي جاء نتيجة مناخ عام يسود أوساط الأكثرية وأوساطاً أخرى معارضة طرح فيه موضوع التبديل الحكومي في الأسابيع الماضية مجدداً. فإضافة الى أن فكرة المجيء بحكومة حيادية برئاسة النائب تمام سلام، تشرف على الانتخابات النيابية عام 2013، لم تلق قبولاً من «حزب الله» قبل زهاء شهرين، فإن البحث تكرر مجدداً بعدها وشمل حتى بعض الدول الغربية التي كانت نصحت بالإبقاء على هذه الحكومة حفظاً للاستقرار ومخافة العجز عن تشكيل حكومة بديلة، خصوصاً أن موقف الولاياتالمتحدة الأميركية هو تجنب ما يهدد الاستقرار في لبنان وانتقال الأزمة السورية وتشعباتها الى لبنان، وأن حكومة ميقاتي ما زالت تحول دون ذلك حتى الآن. وتردد في بعض الأوساط أن بين بعض مسؤولي الدول الغربية من بات يعتقد أن الحكومة الحالية تقوم بتغطية السياسة السورية في لبنان، وأن إيران تستفيد من وجودها. كما تردد أنه حين طرحت فكرة التبديل الحكومي طُرح خيار إعادة تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة، وأن جواب بعض أوساط المعارضة وقوى 14 آذار كان اشتراط ألا يترشح للانتخابات النيابية، انسجاماً مع مطلبها قيام حكومة حيادية. لكن الفكرة لم تلق قبولاً لدى القوى الرئيسة في الأكثرية. وتفيد معلومات المصادر السياسية البارزة، أن هذه «الخواطر» حول الوضع الحكومي جرى التداول فيها في ظل مناخ ساد عدداً من قيادات الأكثرية يسلّم بأن بقاءها «شر لا بد منه» كما قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ما يعني التسليم بأن الشلل فيها بلغ مرحلة متقدمة، وأن التعايش بين مكوناتها أصبح مكلفاً لقادة هذه المكونات. بل ان بعض أوساط الأكثرية نقل عن قطب مسيحي في الأكثرية التي تتشكل منها الحكومة قوله: «نحن مجبرون على البقاء في هذه الحكومة، لكن في نهاية المطاف فإن (الرئيس السابق للحكومة) سعد الحريري أفضل لناحية التعامل معه من الرئيس ميقاتي». كما نقل بعض زوار قطب آخر أساسي في الأكثرية، قوله: «يجب أن نكون منصفين. كان الوضع أفضل مع حكومة الرئيس سعد الحريري الذي كنا ننتج معه شيئاً للبلد على رغم كل الصعوبات». وتشير مصادر أخرى الى أن فكرة التغيير الحكومي طرحت أيضاً من قبل حلقة ضيقة مع الرئيس سليمان، لكن سرعان ما استبعد العمل من أجلها لأنها ستكون مغامرة في غياب التوافق السياسي على البدائل، وهو أمر صعب في هذه المرحلة. وتضيف المصادر البارزة أن ما جرى تداوله من «خواطر» حول التبديل الحكومي قوبل برفض كامل من «حزب الله» الذي فضل بقاءها. وهو ما جعل الأمين العام للحزب في خطبه الأخيرة يردد دعمه لاستمرارها ولعملها ولتفعيلها مع الاعتراف بأنها يمكن أن تكون منتجة أكثر. والإصرار على بقائها وقطع الطريق على التفكير بالأمر كانا وراء إصرار الحزب على حليفه العماد ميشال عون عدم القيام بخطوات من نوع الانسحاب منها، لأن الأكثرية لن تتأمن لحكومة مثلها عند الاطاحة بها. وهو ما جعل نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم يؤكد بدوره «بقاءها، على علاتها»، ويتبعه النائب نواف الموسوي بالقول بلغة تحذيرية، إن الحفاظ عليها يمنع الانزلاق الى الحرب الأهلية.