هذه المرة التهليل والتصفيق لم يكن لموكب الرئيس محمد مرسي الذي خفتت شعبية موكبه بانتظار تحقيق وعود المئة يوم الأولى. كان التهليل واستقبال الفاتحين والتشجيع من نصيب عربة القمامة الضخمة التي اختفت شهوراً طويلة مضت حتى بات السكان يميزون بيوتهم بلون أكياس القمامة الملقاة أمامها، ويشرحون للزائرين أن البيت «ثاني يمين بعد ثالث كوم زبالة»، ولم يكن يتبقى سوى أن تحوي خرائط «غوغل» شرحاً تفصيلياً لها أو أن تظهر على برنامج «غوغل إيرث» من الفضاء الخارجي. وعلى مدى اليومين السابقين ومنذ بدء حملة «وطن نظيف» التي أعلنها الرئيس لتنظيف الوطن الذي كادت معالمه تختفي تحت وطأة أطنان القمامة، عجت الفضاءات بكم هائل من الحراك الشعبي. فعلى فضاء الواقع انتشرت مشاهد عدة لشبان ملتحين وأطفال يمسكون «مقشات» (مكانس) و «جرادل» (دلاء) وينظفون شوارع مختلفة في محافظات عدة. كما ظهر رجال كبار ملتحون أيضاً يشاركون في كنس الشوارع، اتضح في ما بعد أنهم قياديون من جماعة «الإخوان المسلمين» وذراعها السياسية حزب «الحرية والعدالة» يشاركون في تنظيف الوطن، وهو ما أثار ردود فعل متباينة كما جرت العادة. عادة تقسيم الأمور والأحداث والأشخاص في مصر أخيراً بناء على كونها «إخوان» أو «غير إخوان» ألقت بظلالها على حملة تنظيف الوطن، ف «الإخوان» والمتعاطفون معهم والداعمون لهم (ولو إلى حين) منشغلون بالتهليل والتمجيد والتبجيل للحملة عنواناً وجهداً وصوراً تدق على أوتار الرازحين تحت وطأة «وطن قذر». أبرز معزوفات التبجيل تعزفها أوركسترا شباب «الإخوان» ومواقع «الحرية والعدالة» وجماعة «الإخوان» والحسابات الشخصية لأفرادهما على «فايسبوك» و «تويتر»، إضافة إلى كوكبة من الأحزاب والتيارات المشاركة في الحملة مثل أحزاب «الوسط» و «النور» و «البناء والتنمية» و «العمل» و «الأصالة» (وجميعها أحزاب دينية) إضافة إلى «حركة 6 أبريل» المتحالفة مع «الإخوان». مئات الصور الفوتوغرافية التي تؤرخ لطرق وميادين وشوارع على غرار «قبل وبعد» يتم تحميلها على الشبكة العنكبوتية، ومعها آلاف التعليقات الممجدة للجهود. تغريدات لا أول لها أو آخر على «تويتر» تشيد ب «أستاذ الجامعة الذي نزل الشارع ومعه زوجته وأولاده لينظفوا أمام بيتهم» مع إشارة إلى أن «ملامح مصر الجديدة تحت قيادة الدكتور مرسي بدأت تتضح بوطن نظيف». إلا أن المسألة باتت أكبر من مجرد تنظيف الوطن، ف «التيار الثالث» الذي خرج ولم يعد منذ إعلان مرسي رئيساً لم يعد يظهر إلا على متن الفضاء العنكبوتي أو الفضاء الإعلامي عبر منظريه ومفتيه. وقد ظهر في شدة منذ بدء الحملة من خلال موجات رفض عاتية للحملة، أو على الأقل لتبجيل الحملة وتعظيمها وكأنها سبق في عالم التنمية أو إبداع في مجال المبتكرات. واعتبر كثيرون من أبناء هذا التيار الذين لا يجمعهم سوى معارضة الخلطة السحرية للدين والسياسة، الحملة والمثار حولها من قبيل «التدليس السياسي» والمبالغة الاجتماعية التي تستهدف البسطاء وتزييف الحدود الفاصلة بين الحقوق والواجبات في المواطنة. مئات الأسئلة طرحها أبناء «التيار الثالث» بهدف استنكار مطالبة المواطنين بالنزول إلى الشوارع لتنظيفها بأنفسهم: «هل ذكر مرسي في برنامجه الانتخابي أننا سننزل الشوارع لنجمع القمامة بأنفسنا؟»، «أين الحي والمحليات وشركات النظافة؟ لو هذه الأجهزة لا تساعده لماذا لا يعزل قياداتها؟ وإن لم يكن يستطيع عزلها لماذا لا يجاهر بذلك؟»، «لو مشكلة بسيطة مثل القمامة يتم حلها بهذه العشوائية كيف سيتصرف إذن مع المشكلات الأكثر تعقيداً؟»، «هل اضطر الرئيس إلى ترك مشكلة القمامة لنا لنحلها لأنه متفرغ لحل المشاكل الأكثر تعقيداً وصعوبة مثل الدستور المتعثر أو الحكومة الرائعة التي شكلها والبرلمان المزري الذي أعاده والمعتقلين الذين أفرج عنهم وجهازي القضاء والشرطة اللذين حل مشاكلهما؟»، «ماذا فعل الدكتور مرسي منذ بداية رمضان غير الصلاة والخطبة في المسجد؟». آخرون عارضوا فكرة النزول للمشاركة لأسباب أخرى. أحدهم قال: «لن أشارك في حملة وطن نظيف. لينزل مرسي وأولاده ليشاركون أولاً ثم يشغل موظفي النظافة بعدها سأنضم لهم»، في حين كتب آخر أنه كان بصدد المشاركة في الحملة على رغم أنه من أعتى معارضي حكم «الإخوان»، لكن ما أن قرأ خبراً مفاده أن مكتب الإرشاد يناقش ما تم إنجازه في حملة «وطن نظيف» حتى قرر المقاطعة. امرأة أخرى قاطعت أيضاً ولكن لأسباب تقنية إذ قالت: «ينفع يقطعوا عنا الكهرباء والمياه فأنزل لأنظف الشارع؟». وفي السياق نفسه اقترح شاب أن «يتم تزويد كل مواطن بحاجته من الكهرباء والمياه أولاً ليتمكن من الاستحمام بعد أن يعود من تنظيف الشارع». لكن مئات الأسئلة طرحها معارضون حول مصير نظافة الوطن بعد انتهاء الحملة، أم أنه سيكون مطلوب من كل مواطن اصطحاب مكنسة ودلو معه أينما ذهب طيلة فترة حكم الرئيس مرسي. ولم يخل الأمر بالطبع من التنكيت والسخرية، فشنت مجموعة تعرف نفسها ب «اللجان الشعبية للدفاع عن الثورة» حملة عنكبوتية رداً على «وطن نظيف» أطلقت عليها اسم «ارمي زبالتك عند القصر» تهكماً منها على تشغيل الشعب في جمع القمامة. واقترح آخرون أن يغير «الحرية والعدالة» اسمه بعد الحملة إلى «الهلال والنجمة»، وهو اسم أشهر شركات أدوات النظافة في مصر. الطريف أن عاملي النظافة المسؤولين أصلاً عن نظافة الشوارع انتشروا في الشوارع والميادين لكن بعيداً تماماً عن فعاليات «وطن نظيف»، إذ نظموا حملة أعتى وأقوى عنوانها «رمضان كريم» بهدف التسول في نهار رمضان، وهو النشاط الذي بات شبه رسمي لهذا القطاع. أما «مرسي ميتر» الذي يقيس أداء الرئيس في ضوء المحاور الخمسة التي وعد بتحقيقها، فقفز أخيراً إلى رقم واحد من مجموع 64 نقطة، وذلك بعد مرور 28 يوماً من بدء العد.