لم تتصوّر رندلى التي تزوّجت منذ سبع سنوات فقط، يوماً أنّ تقدّمها في العمل يمكن أن يهدّد سعادتها مع زوجها الذي يشغل وظيفة ثابتة في إحدى الإدارات الرسمية. فرندلى تستعدّ اليوم لخوض مأساة الطلاق، والسبب الرئيسيّ يكمن في أنّ راتبها تخطّى مدخول زوجها بأكثر من الضعف ما أثار حفيظته. وبدأت المشكلات بالتفاقم أكثر مع تنامي شعوره بأنّ زوجته تُنفق أكثر على المنزل، بخاصة أنها استعانت بخدمات مدبّرة منزل من دون أن تحتاج إلى المال منه. زوج رندلى طلب منها في البداية التوقّف عن العمل، وحين رفضت أصرّ على أن تغيّر مكان عملها لعلّ راتبيهما يتقاربان في المستوى، وعندما تمسّكت بعملها وصل إلى تهديدها بالطلاق على رغم أن طفلاً في الثالثة يجمع بينهما إلى جانب السنوات السبع. قصة رندلى وزوجها، ليست يتيمة أو دخيلة على المجتمع، فعشرات الحالات التي يصل بعضها إلى حدود التعنيف بسبب شعور الرجل بالدونية أو بأنّ زوجته تتكبّر عليه بأموالها، ما يجعل هذه القضية تبرز علناً كخطر أساسيّ على العلاقة الزوجية. اختلال كفّة الميزان المالي لمصلحة المرأة شهرياً، بدأت تأثيراته السلبية تظهر في الأسر اللبنانية، وتشرح المرشدة الاجتماعية سناء الراعي أنّ المشكلة الأساسية في الموضوع تتركّز حول «سلطة الرجل في المنزل وشعوره بالتهديد من أن تصبح زوجته المنفِق على العائلة، أو أن يُنظر إليه على أنّه يعيش من دخلها، وهذا ما يؤثر في موقعه الذكوريّ الذي يعتزّ به الرجل الشرقيّ». وتلفت الراعي إلى أنّ هناك قضية أخرى ترتبط بموضوع راتب المرأة و «تمثّل فئة أخرى من الأزواج، أي الذين يحاولون استغلال الوضع الماليّ لزوجاتهنّ لرفع الأعباء المالية عن أنفسهم وزيادة الضغط عليهن بدل مساندتهن، ويقود ذلك أيضاً إلى حدوث الانفصال في الكثير من الحالات لأنّ المرأة تشعر بأنّها مستغلّة ولا يمكنها التفكير مالياً في شكل مستقلّ عن زوجها». وإذا كانت المرأة اللبنانية تثبت نفسها في حقل العمل أكثر فأكثر يوماً بعد يوم وتصل إلى مناصب متقدمة، فهذا يعني أنّ المشكلة مرجّحة للتزايد في حال لم يتوصّل الزوجان إلى اتفاق حول الشؤون المالية. الزيادة المالية نقمة؟ ما يثير التعجّب في لبنان رفض بعض الأزواج ارتفاع رواتب زوجاتهم، على رغم أنّ الحال الاقتصادية إلى تراجع مستمر والحاجة إلى زيادة المداخيل الأسرية عبر مشاركة الزوجين ضرورية لتجنّب مشكلات الديون والقروض المتراكمة. لكنّ هذه النظرة المالية لا تلقى الموافقة عند الرجال الذين يشعرون بأنّ استقلالية المرأة المادية تهدّدهم في شكل مباشر. وفي هذا السياق يصف غابي، الموظّف ناظراً في مدرسة خاصة، عمل زوجته وراتبها العالي بأنّه «نقمة لا نعمة أبداً». وعند الاستفسار عن السبب الذي يقوده إلى مثل هذا الحسم في النظرة إلى الأمور، يوضح أنّه «يشعر بالذلّ حين يصل إلى نهاية الشهر ويجد أنّ زوجته تكفّلت بمعظم الأمور المالية، في حين أنّ دوره بات يقتصر على الأمور الثانوية». وعلى رغم أنّه يؤكد أهمية عمل المرأة لمساندة زوجها من الناحية المالية، إلا أنّه يشدّد على ضرورة ألّا تتخلّى المرأة عن أنوثتها وتصبح هي «رجل المنزل». هذه المخاوف التي يُعبّر عنها الرجال الذين يكون راتب زوجاتهم أعلى من مدخولهم لا تلقيها الراعي على الرجل فقط إنما على الزوجين معاً. فمن ناحية الزوج أولاً، تؤكد الراعي ضرورة «أن ينظر باحترام وتقدير لما تجلبه زوجته من منفعة لمصلحة العائلة، ولا يجب أن يقيس الأمور من منظار شخصيّ بل باعتبار أنّ زوجته هي شريكة له في التفاصيل ومنها القضايا المالية». وتشير الراعي بأصابع الاتهام إلى المرأة أيضاً التي يمكن أن تبدأ بتعظيم نفسها أمام زوجها والتكبّر عليه بسبب تقدّمها مالياً، لافتة إلى أنّ «مثل هذا السلوك لا يمكن إلا أن يستفزّ الرجل الذي يشعر أنّ نظرة زوجته له قد تغيّرت، وأنّه أصبح بمرتبة أدنى بالنسبة لها». والنصيحة الأساسية التي تقدّمها الراعي، لا ترتبط بحجم المدخول أبداً إنما بعلاقة الزوجين مع بعضهما بعضاً حيث «يجب أن يكون هناك مصارحة بينهما بدل أن يتجها الى الانعزال أو التفكير بأنانية».