للتونسي في شهر رمضان المبارك، عادات لم يتمكن الزمن أو التطورات التكنولوجية من التأثير فيها. من ذلك شغف التونسي بالأكل في شهر يُفترض أنه شهر التقشّف في المأكل والمشرب. رمضان تونس هو شهر الأطايب بامتياز، يتحوّل فيه التونسي طفلاً صغيراً تستفزّه كل أكلة وأي أكلة، مطبقاً المثل الشعبي أنّ «التونسي يأكل بعينيه»، أي أنه يقتني كل ما يحلو في ناظريه من دون حتمية استهلاكه. ويقول رياض مسؤول مبيعات في مساحة تجارية كبرى: «الإقبال على المواد الغذائية يبدأ قبل الشهر الكريم بأسابيع، ونلاحظ إقبالاً على مختلف أنواع المعجنات والأجبان وسمك التونة المعلّب وغيرها من المواد التي يكثر الإقبال عليها خلال رمضان، وهو ما يجعلنا نسعى لتوفير أكثر ما يمكن من تلك المواد سواء الأساسية أو الكماليات منها». ويشهد الشهر أيضاً إقبالاً واسعاً على السوائل بأنواعها، وبخاصة المياه المعدنية والمشروبات الغازية والعصائر المعلبة والطازجة، ولأن الشهر الفضيل يحل هذا العام صيفاً فإن للفاكهة حضورها القوي. في رمضان تظهر أكلات معينة وتختفي أخرى، ولعلّ أكثر ما يميّز هذا الشهر هو «الزلابية» و«المخارق»، وهي حلويات تعود أصولها إلى الأندلس، فالزلابية تنسب إلى «زرياب» المغنّي. أمّا المخارق، وتشتهر بها مدينة باجة في الشمال الغربي لتونس، فهي شكل آخر من الحلوى بالسمن والعسل لها مكونات الزلابية نفسها تقريباً ولكن شكلها يختلف. ومن الأكلات التي تعتبر إحدى ركائز المطبخ الرمضاني، طبق «البريك» وهي أكلة تونسية بامتياز ليس لها ما يشبهها في بلدان عربية أو إسلامية أخرى، ويعتبرها المختصون في التغذية أكلة متكاملة لما تحتويه من زلاليات ونشويات وغيرها من الخصائص الغذائية، وتأتي إما مثلثة الشكل أو على هيئة نصف دائرة وفيها العجين والبيض والبطاطس والبصل والبقدونس والتوابل والتونة وتقلى في زيت الزيتون. كثير من الراحة ويظهر تأثير الصيام في المجتمع التونسي، في مناح مختلفة من اليوميات، ومع الدوام الخاص بالشهر الكريم، تصبح الإدارات أقرب إلى غرف نوم، فالموظف التونسي في شكل عام يحب الاتكالية، وإذا حلّ شهر الصيام تتحوّل غالبية التونسيين إلى العيش على وقع التعصيب المفتعل، إذ تصبح أعصابه هشّة ولا يكاد يحتمل كلمتين معاً. وبالتالي تنقص المردودية وتتزاحم ملفات المراجعين في المكاتب الحكومية، وهو ما يجعل من شهر رمضان شهر الكسل والتهاون في النهار والسهر والمتعة بالليل، عوضاً عن أن يكون شهر الكدّ والعمل المضاعف. وحلول الشهر الكريم هذا العام في فصل الصيف، يعني ضرورة التقاء حرارة الطقس وطول النهار مع الصيام، ومع أن التونسي يعمل بداية من شهر تموز (يوليو) من الثامنة والنصف صباحاً إلى الثانية ظهراً، فإنّ ذلك لا يشفع لأن يكون العمل على رأس الاهتمامات، بل على العكس تماماً. ويسعى عدد كبير من الموظفين الحكوميين في شكل خاص لنيل أكبر قسط من الراحة وبأشكال مختلفة إمّا من طريق شهادات مرضية أو طلب إجازات ظرفية أو عدم الحضور من دون سبب مقنع. ولا يخفى على أحد أن انتاجية العمل في الشهر الكريم، تنخفض في شكل كبير وفي ذلك تأثيرات جانبية في الاقتصاد، وبخاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تعيشها تونس، ومع ذلك تنشط مجالات أخرى وتدور العجلة الاقتصادية في أشكال مختلفة، بما أن شهر الصيام يوفّر مساحات كثيرة للبيع والشراء من أول يوم فيه بل حتى قبل ذلك بأيام وصولاً إلى أيام العيد وما تخلقه من حركة غير عادية على مستوى البيع والشراء. بين الأكل وصنوفه والكسل وأشكاله يحل شهر رمضان هذا العام ليعطي التونسيين فرصة أخرى للتحابب والتكافل والتضامن من خلال الحملات التضامنية التي تنتظم في كل شبر من تونس من أجل توفير المواد الغذائية والألبسة والمياه للعائلات المعوزة التي تعيش تحت خط الفقر، ولأنّ شهر رمضان هو شهر الرحمة بامتياز، فقد تعودت تونس ألّا تنام ليلة في رمضان وفيها جائع أو عطشان.