لست اليوم، ولم أكن يوماً، مع طرف فلسطيني ضد طرف، وإنما أزعم أنني مع فلسطين، أي نقيض من يدعي تمثيلها من زعماء شرفاء أتقياء أذكياء. هذا الكلام لا يعني أن رأيي في هذا الموضوع أو ذاك هو الرأي الصائب الوحيد، وإنما يعني أنني لا أنطلق من التزام حزبي ضيّق مكبّل، بل أحاول أن انصف الجميع. كلام أبو اللطف عن مؤامرة شارك فيها أبو مازن لاغتيال أبو عمار أثار عاصفة لم تهدأ بعد، ولم أتناول الموضوع في زاوية كاملة، وإنما بتعليق سريع مقتضب، فكان أن تعرضت لعاصفة بدوري، وأقول إنني أعرف عن الموضوع من مصادره مباشرة، وعندي التالي: خلال اجتماعات فتح في عمان في حزيران (يونيو) الماضي قام السادة سعيد خوري ومحسن ابراهيم وباسل عقل، وهم ليسوا فتحاويين، بوساطة حثيثة بين قادة الفصيل لرأب الصدع، وفي اجتماع بحضور أبو ماهر سمعوا أبو اللطف يتعهد بعدم فتح فمه بكلمة عندما تعقد فتح مؤتمرها في بيت لحم. أبو اللطف هو الأمين العام للجنة المركزية في فتح التي حرصت في اجتماعات عمان على أن يصدر قرار عقد المؤتمر العام في بيت لحم بالإجماع، وقد تحقق هذا بعد أن حصلت اللجنة المركزية على تأييد المجلس الثوري لفتح. أرجح أن السيد فاروق قدومي كان يفضل أن يعقد المؤتمر في مصر أو الأردن، إلا أن البلدين لم يرحبا بالمؤتمر في أراضيهما للبقاء بعيداً من الخلافات الفلسطينية، إن بين الفصائل أو ضمن الفصيل الواحد. والمنطق يقول إن بيت لحم خيار أفضل للمؤتمر العام فهناك حوالى 1550 مشاركاً من فتح مع مراقبين، ونفقات انتقال معظم هؤلاء الى الخارج هائلة. إلا ان أبو اللطف على ما يبدو لا يريد الذهاب الى بيت لحم أو لا يستطيع، وخرج من اجتماعات الأردن خالي الوفاض وفجر قنبلته عن محضر بحوزته زعم أنه يتحدث عن مؤامرة بين آرييل شارون ومحمود عباس ومحمد دحلان وشاؤول موفاز لاغتيال أبو عمار، وكان ذلك بحضور طرف أميركي. هو عرض مضمون المحضر من دون أن يقدمه، وشخصياً لا أصدق المحضر ولو رأيته بعيني، فهو لا بد من أن يكون مزوراً، لأن لا أحد يكتب محضراً يسجل فيه على نفسه نية القتل. ثم هناك نقاط أخرى يصعب قبولها أو يستحيل: إذا كانت المؤامرة تعود الى سنة 2004، وإذا كان أبو عمار أعطى أبو اللطف محضر الاجتماع فلماذا سكت أبو اللطف حتى هذه اللحظة؟ وألا يجد القارئ توقيت كشفه مريباً بالنظر الى المؤتمر العام المقبل الذي سيعقد في الثامن من آب (أغسطس)، وهو عيد ميلاد ياسر عرفات؟ هل يعقل أن أبو عمار يملك مثل هذا المحضر ويسلمه الى أبو اللطف بدل أن يعلنه بنفسه، ويطالب برؤوس المتآمرين عليه، وهو على ما يبدو كان يعرف تفاصيل مؤامرة على حياته فلم يكلف نفسه عناء إعفاء المتآمرين من مسؤولياتهم الرسمية تمهيداً لمحاكمتهم. كيف يفسر أبو اللطف أن يملك هذا المحضر وأن يكون أول من رشّح أبو مازن لخلافة أبو عمار بعد وفاته قرب نهاية 2005؟ كيف يفسر أيضاً وجود المحضر وقد نقلت الصحف عنه قبل شهر أو نحوه تصريحاً قال فيه: نحن نختلف مع أبي مازن ولا نختلف عليه. يبدو أن السيد محمد غنيم (أبو ماهر) وهو الرجل الثاني في فتح بصفته عضو اللجنة المركزية ومسؤول التعبئة والتنظيم مستاء من موقف أبو اللطف مثلي لذلك فقد فهمت أنه قرر العودة الى الأراضي الفلسطينية ليستقر فيها بعد حضور مؤتمر فتح. أقول للسيد قدومي وللقراء الذين صدقوه «اسمحوا لي فيها». قطعاً أكثر الذين صدقوا أو ادعوا التصديق كانوا من معارضي أبو مازن أكثر منهم من مؤيدي أبو اللطف، أي أن المحضر المزعوم وجد هوى في أنفسهم. لو كانت عندي ذرة من الشك في محمود عباس لما كتبت كلمة واحدة دفاعاً عنه، خصوصاً أن الموضوع أبو عمار، وهو في جوار ربه، وأنا لم أضيعه حياً، على رغم ألف اعتراض لي عليه في حياته، ولن أضيّعه ميتاً. أقول بأوضح كلام ممكن إن أبو مازن لا يقتل. وأزيد أنه لا يتآمر، وحديث خصومه الفلسطينيين عن «ضعفه» يتجاوز أنه رجل «دوغري» لا يتقن ألاعيب السياسة، أما حديث الإسرائيليين عن ضعفه فهو من نوع التحريض على حرب أهلية فلسطينية يثبت فيها أبو مازن «قوته». هذا لن يحصل وأبو مازن على رغم الضعف المزعوم لم يتنازل عن شيء ولم يفرّط بشيء، من ربط استئناف المفاوضات بوقف الاستيطان، الى القدس واللاجئين والحدود. وإذا فعل يوماً، لا سمح الله، فسأكون أول من يهاجمه. في غضون ذلك كنت أتمنى لو أن أبو اللطف الذي أفنى حياته في خدمة القضية الفلسطينية خرج كريماً كما دخل، بدل أن يزيد شق الخلاف اتساعاً برواية لا تصدق.