حتى الآن، ساد شبه اتفاق بين الباحثين على أن القردة الكبيرة، وضمنها القردة العليا وتلك التي تسير منتصبة على قدمين كما يفعل البشر، نشأت في أفريقيا. لكن اكتشاف نوع جديد من القردة العليا عاش قبل قرابة 37 مليون سنة في مستنقعات «ميانمار» الآسيوية القديمة، ربما يدفع العلماء الى تبني فكرة جديدة مفادها أن شجرة العائلة المتعمقة الجذور للقردة الكبيرة والعليا، ربما نبتت في آسيا. وإذا صح هذا الأمر، فربما جرى التفكير بأن أجداد مجمل السعادين والقِرَدة، بما فيها تلك التي تمشي بقامة منتصبة، نشأت في آسيا، ثم خاضت غمار رحلة مضنية إلى القارة الأفريقية، قبل قرابة 40 مليون سنة. مصر ليست البداية لأوقات طويلة، شكلت مصر واثيوبيا الموقعين الأكثر أهمية في اكتشاف أحافير تعود الى القردة البدائية والأنواع العليا الشبيهة بالبشر. ولم يزد عمر أقدم الأحافير عن قرابة 30 مليون سنة. ومنذ مطلع تسعينات القرن العشرين، بدأ الباحثون اكتشاف بقايا قرود رئيسية صغيرة الحجم، عاشت قبل فترة تتراوح بين 37 و45 مليون سنة، في أمكنة آسيوية مثل الصين، وميانمار ودول اخرى. وأشار ذلك إلى أن القردة العليا والأنواع الشبيهة بالبشر التي تسير بقامة منتصبة، ربما نشأت فعلياً في آسيا ثم انتقلت إلى أفريقيا بعد بضعة ملايين من السنين. وفي المقابل، افتقر علماء الأحفوريات إلى أدلة ملموسة تظهر تاريخ ظهور هذه الأنواع وطُرُق انتقالها من آسيا إلى أفريقيا، وفق تصريحات حديثة لعالم الاحفوريات كاي كريستوفر بيرد من «متحف كارنيغي للتاريخ الطبيعي» في بيوتسبرغ بولاية بنسيلفانيا. وعام 2005، اكتشف فريق من الباحثين العالميين ضرساً بحجم نواة فشار، إذ عمدوا إلى غربلة أحفوريات أسماك وسلاحف قديمة وأسنان فرس نهر قديمة، مأخوذة من أحفوريات قريبة من قرية «نيونغبينلي» في ميانمار. وتبيّن أن هذا الضرس يعود تاريخه إلى قرابة 38 مليون عام، وينتمي لفصيلة جديدة من القردة الرئيسية القديمة، ربما وازت بحجمها السنجاب المُخطّط الصغير. وبعد سنوات إضافية من العمل الميداني الدؤوب، جمع الفريق أربعة أضراس لقردة عليا من نوع ربما يشبه البشر البدائيين، وسمّوه «أفرازيا دجيجيداي». وكانت الأضراس الأربعة كافية كي يرى بيرد وقائد الفريق جان جاك جايجير من جامعة بواتييه في فرنسا، أن مخلوق «أفرازيا» كان مرتبطاً عن كثب بنوع شبيه بالإنسان البدائي عاش في الفترة ذاتها تقريباً، يدعى «أفروتارسيوس ليبيكوس»، عاش في أفريقيا، وتحديداً ليبيا. وعندما تمعن الباحثون تحت المجهر في الأضراس المأخوذة من فصيلتي القرود الرئيسية، بدا أنها متشابهة لجهة الحجم والشكل والعمر، ما جعل العلماء يعتقدون بإمكان تصنيفها ضمن فصيلة القرود الرئيسية ذاتها، وفقاً لبيرد، علماً أن تشابهاً قريباً بين أحفوريات أشباه الإنسان الآسيوية والأفريقية «لم يتم تثبيتها من قبل»، وفقاً لما يكتبه هؤلاء العلماء حاضراً عبر الإنترنت في نشرة «إجراءات الأكاديمية الوطنية للعلوم». في المقابل، عندما أقدم الفريق على دراسة أكثر دقةً، لاحظ أن الأضراس الجديدة من مخلوق «أفرازيا» الآسيوي كانت أكثر بدائية من أضراس مخلوق «أفروتارسيوس» الآتي من ليبيا، وخصوصاً بالنسبة إلى النتوء الصغير في مؤخرة الضرس السفلي الأخير الذي كان أكبر من حيث الحجم، ما يُبطل فرضية انتماء الفصيلين الى النوع نفسه. وبقول آخر، تبقى نظرية انتقال القردة من آسيا الى أفريقيا، مجرد فرضية تحتاج الى أسانيد كافية للبرهنة على صحّتها.