يجري السجال بين الأمين العام ل «حزب الله» وخصومه على الشكل التالي: يقول إن قادة النظام السوري شركاء في المقاومة والتصدي لإسرائيل، وإن الصواريخ التي انطلقت نحو حيفا صنعت في دمشق، فيرد عليه خصومه بأن النظام السوري لم يطلق طلقة واحدة في الجولان وأنه قتل من الفلسطينيين أكثر مما قتلت إسرائيل. ويقول نصرالله إنه يريد جيوشاً قوية تقاتل إسرائيل، ويردون عليه بأن حزبه يحول دون قوة الجيش اللبناني بفعل ازدواج السلطة في لبنان، فكيف يريد جيوشاً قوية من يمنع الجيش اللبناني أن يقوى؟ والحال أن الطرفين محقان، كلٌّ من موقعه: فسورية دعمت فعلاً «حزب الله» في حربه مع إسرائيل، وهي فعلاً التزمت وقف إطلاق النار كاملاً في الجولان وامتنعت عن مقاتلة إسرائيل. كذلك يعوق «حزب الله» فعلياً قيام جيش لبناني قوي، لكنه، مع هذا، يرتاح إلى وجود جيوش قوية، بالمعنى الأسدي والصدامي والخميني، في الجوار، كما يرتاح إلى وجود أنظمة تنبثق من تلك الجيوش. وهذا سجال مقفل وعقيم، لأنه في آخر المطاف يدور على أرض واحدة، وتحكمه حجج معيارية واحدة، بما يقرِّبه من المناكدة. أما إنعاش السجال هذا وجعله فعلياً، فلا يتم إلا بإعطائه مضامين تتكفل وحدها بتظهير القَطْع القائم بين المنطقين. فحتى لو فتح النظام الأسدي جبهة الجولان وخاض معركة حياة أو موت مع إسرائيل، ولم يكتف فحسب بدعمه «حزب الله»، فإنه يبقى نظاماً يحرم أفراد شعبه حقوقهم المدنية وينهض على قهرهم وإفقارهم وتجويعهم. أكثر من هذا، فإن ذهابه بعيداً في مقاتلة إسرائيل، في حال حصوله، يمكن أن يشكل عنصر قوة ومادة تبرير لنهجه الاستبدادي والإفقاري. بلغة أخرى، لا تشكل السياسة التي تعتمد حيال النزاع العربي–الإسرائيلي، أو ما تبقى منه، أي حجة لمصلحة نظام ما، أو ضد نظام ما. وإذا صح هذا الافتراض عموماً، فإن صحته تتضاعف اليوم، حيث لا تقف الناس، والفلسطينيون منهم خصوصاً، في الطوابير كي تقاتل إسرائيل أو كي تحرر فلسطين. والشيء نفسه يصح في الجيوش، فقد علّمت كل التجارب التي نعرف، أن المعنى الوحيد للجيوش القوية في المنطقة هو قهر شعوبها واستيلاد حروب تبدأ ولا تنتهي من أجل تحويل الأنظار عن مشاكل أنظمة تتربع الجيوش في سدتها. وقد تكون حروب صدام حسين الداخلية (ضد الأكراد والشيعة والشيوعيين...) والخارجية (ضد إيران والكويت...) المثل الأنصع، وإن لم يكن الأوحد، على هذا. مقابل ذلك، فإن الأجدى تعزيز التنمية بما يُصرف على الجيوش (أقاتلَتْ إسرائيل أم لم تقاتلها)، وإزاحة هذا القيد العسكري الثقيل عن عنق الحياة المدنية وما قد تنتجه من سياسة. وقصارى القول إن فارقاً فلكياً يفصل الذين يعتبرون آصف شوكت ورفيقيه أبطالاً وقادة، وبين الذين يعتبرونهم جلاّدين، وفارق كهذا لا بد أن يجد معادِلَه في الأفكار والمفاهيم، بحيث ترتفع جذريتها إلى مستوى الجذرية التي ينطوي عليها الخلاف. إن المشكلة مع البعث وحكمه ليست في أنهما لم يحررا فلسطين ولا يحررانها!