ما الذي يحدث للإسلام ولصورته، لمصلحة مَنْ ما يجري باسمه وضده له وعليه من قبل من لا يعرفه، أو من يعتقد أنه المتحدث الرسمي على لسانه؟... ليس الأمر على ما يرام على كل هذه الأحوال، وكلما سكنت أزمة تفجرت أخرى وبشكل أكثر عنفاً، بل وتتكرر الأزمة الواحدة لكن بأشكال وصور وتشظيات أخرى، كأزمة الحجاب أو الأقليات المسلمة، مما يؤكد أن المسألة أبعد من حصرها في تلك المسائل الجزئية، لأن تكرارها بهذا الشكل يدل على وجود «مضمر» لا يتم تناوله أو الحديث عنه ويتم الاكتفاء بالحديث عن الظاهرة في شكلها البسيط وتجلياتها السطحية. هناك أجواء مشحونة ولا شك بين العالم الإسلامي بما يمثله إجمالاً من هوية ولغة وخطاب ونسق ثقافي، وبين غيره من الخطابات التي لا تعتمد بالضرورة على محفز الهوية الذي يستمد جذوته من الدين، ليس كالتزام بل كمرجعية للهوية المكونة للشخصية حتى لو لم تكن متدينة. هذه الأجواء القلقة تشهد الآن تصاعداً محموماً على مستوى ما يطرح من أفكار ومقالات، وأيضاً على مستوى إدارة الغضب والغليان في الشارع الإسلامي، ليخرج عن كل مشاريع الحوار التي باتت أقرب إلى الديبلوماسية العامة ويدخل في سجالات الخصومة التي تحول كل قضية خاصة إلى قضية رأي عام عبر آليات التأليب والتجييش التي تقودها قيادات افتراضية على شبكة الانترنت، أصبحت بشكل صريح وواضح تملك زمام المبادرة في توجيه العامة، وهو الأمر الذي أفرز واقعاً جديداً عرف ب«الشارع». ما يهم في مثل هذه السياقات المتوترة هو التأكيد على ضرورة طرح الأسئلة الغائبة والمغيبة في محاولة لخلق نوع من التوازن في رؤية ما يجري على الواقع، ولدفع الأطراف الرسمية التي تملك القرار إلى أخذ زمام المبادرة في إدارة الحدث بشكل إيجابي، والآن نشهد تحركات حثيثة من قبل منظمات دولية ورسمية وشعبية لمحاولة الضغط لاستصدار قانون يكفل تقنين موضوع الحديث عن الأديان والرموز الدينية، آخرها وهو على طرافته يؤكد عمق الأزمة ووصولها إلى مجال الرياضة، حيث تبحث «الفيفا» منع أي رموز دينية كسجود اللاعبين أو علامة التثليث أو الشعارات الدعائية. هناك ثابت ومتحول في آلية تماس الثقافات الدينية؛ الثابت يجب أن يتأسس على الاحترام المتبادل، حيث يجب ألا تمس مقدسات كل دين بسوء، وهذا ما يجب أن ينسحب على الأديان التوحيدية الكبرى وأيضاً على المذاهب والأقليات الدينية داخل الجماعة الواحدة، فليس من المنطقي أن نطالب الآخرين باحترام مقدساتنا ويتم الحديث بشكل علني عن أن موضوع «احترام الأديان» جريمة عقائدية، لأن تلك الأديان باطلة، كما يحدث الآن من قبل شخصيات متشددة بدأت تعي خطورة الجهود التي تسعى إلى تكريس تعددية دينية من هذا النوع، فهي ترى أن هكذا حقوق يجب أن تتمتع بها هي من دون الآخرين ليست كشرائح مسلمة من ضمن نسيج عام، بل كفئات مأخوذة بالتميز والنقاء العقائدي تنتمي إلى تيار فكري محدود لم يزل مع كل ما يمر به من علامات حالة الاحتضار يدعي امتلاك الحقيقة الدينية المطلقة. المشكلة الأخرى أن التيارات المعتدلة هي أيضاً لم تتساءل بشكل شمولي حين تتحدث عن تحيز بعض الأنظمة الغربية ومظالم الأقليات، وهي أسئلة مشروعة ولها ما يبررها، لكن هذه التيارات في ذات الوقت يجب أن تسأل الخطاب المتطرف الذي شوه سماحة الإسلام بأفعاله الرعناء التي أساءت للصورة النمطية للإسلام أكثر من أولئك الذين لم يعرفوا منه إلا هذا النموذج السلبي، والحال أن أي معالجات لتلك الأزمات يجب أن تلتفت إلى الباعث والدافع وليس إلى النتيجة، والمحصلة كما يجب أن تقطع هذه التيارات المعتدلة، إذا كانت معنية بمستقبل الإسلام وصورته في العالم وليس بمكتسباتها السياسية، أو حجم التأييد لها في المجتمعات التي تعمل فيها، الطريق على المتطرفين، وذلك من خلال تدويل ملف احترام الأديان والمقدسات، وصولاً إلى حالة من «التعايش» بين الجميع حتى داخل أتباع الدين الواحد، هذا التعايش الذي لا يعني التطابق في الآراء أو القناعات بقدر احترامها ومنحها حقها في الوجود، الأقليات الدينية قد يكون الملف الغائب الآن في حمى وتداعيات ملف الرسوم، لكنه حتماً سيكون أحد أكبر الاستحقاقات التشريعية والحقوقية في حال تم الوصول إلى صيغة توافقية لمبدأ حقوق الأديان يقرها المجتمع الدولي. [email protected]