بحميمية دافئة، قال أحد أعضاء فرقة «الثلاثي جبران» لجمهور المسرح الشمالي في جرش: «سنقدم شيئاً خاصاً جداً، سبقَ أن فاجأْنا به الراحل محمود درويش». كان سمير ووسام وعدنان يستهلون حفلتهم في مهرجان جرش بدورته ال27، وقال سمير: «في لقائنا الأخير به، طلب درويش أن نرافقه من الفندق إلى قصر الضيافة بمقدونيا، قبيل تسلَّمه وساماً عالمياً، وفي الصباح جذبتنا رائحة القهوة التي يعدّها بنفسه، وأحببنا أن نفاجئه بالمقطوعة التالية»... وعزف الثلاثي «كلّ ده كان ليه» لمحمد عبد الوهاب، فتفاعل معها الجمهور الذي اكتظ به المدرج المشيّد عام 165 والذي يحوي 1600 مقعداً. وفي الحفلة التي شارك فيها يوسف حبيش على الإيقاعات، بدا الأداء بارعاً، وأظهرَ تناغمَ المجموعة عزفاً على الأعواد الثلاثة، بوتيرة ثابتة، كما لو أنها «ماكينة» واحدة. و «المعنى» في كل لحظة يؤشر لحالة غياب، يحس معها المتلقي بتوتر عالٍ، إلى أن يُسمع صوت درويش، فتكتمل «الهارموني» بين الجمهور والفرقة التي رافقت الشاعر الراحل في أمسياته طوال 13 سنة. وأهدى الإخوة جبران الحفلة التي حضرها والداهم من فلسطين، إلى «الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال». وقدمت الفرقة التي تضم عازفي عود فقط، قدمت مقاطع تتشابك مع النص الدرويشي، مثل «لاعب النرد» و «على هذه الأرض» و «الجدارية». فن شعبي ودعوات للإلغاء وزخر شارع الأعمدة، وهو الأهمّ في المدينة الأثرية، بالمنتجات الحرفية الشعبية ك «المهباج» والبُسُط والسجاد والأثواب النسائية وسلال القش ولوحات الفسيفساء والآلات الموسيقية الشعبية (الربابة) كما العديد من الأكلات الشعبية المجففة تيناً وزبيباً. الشارع الذي يبلغ طوله 800 متر، يصل أجزاء المدينة الأثرية ببعضها البعض، مرصوف بالحجارة، وما زالت آثار العربات اليونانية والرومانية واضحة على صفحته. وأتاحت إدارة المهرجان المجال لحضور نشاطات كثيرة مجاناً، منها ما قُدّم على الساحة الرئيسة وسط القرية الأثرية، وهكذا شاركت الفرقة الأذربيجانية «كوي كول» وفرقة «شابات السلط»، والفنان الأردني ماجد زريقات، وغيرهم. كما أطلق برنامج «بشاير» في مسرح الإبداع الشبابي «جراسيا»، وكانت البداية مع الفريق الشبابي «أنا قادر» بإشراف غادة المعشر. ومثلما غابت فرقة «نايا» الموسيقية عن «بشاير»، غاب الشاعر الفلسطيني المقيم في سورية خالد أبو خالد، والشاعر خالد محادين، عن برنامج الشعر الذي يحتضنه مسرح أرتيمس. وكانت الأمسية من نصيب الشاعرين الأردني محمد لافي والعراقي حميد سعيد. وشدا المطرب اللبناني ملحم زين، الذي يشارك في المهرجان للمرة الأولى، أمام ثلاثة آلاف مشاهد، ثم انخفض العدد إلى ما يزيد على الألف بقليل قبيل انتهاء الحفلة، وشاركه الفنان الأردني عمر العبدلات. وعشية حفلة الافتتاح، كشف المدير التنفيذي للمهرجان محمد أبو سماقة، أن مجهولين أتلفوا لافتات إعلانية تخص المهرجان، لكنه قال إن «أحداً في الأردن ليس ضد مهرجان جرش الذي يُظهر الوجه الحضاري للبلاد». وكان «ائتلاف جرش للإصلاح» أصدر بياناً أكد فيه موقفه منذ الدورة السابقة، وهو المطالبة باستراتيجية سياحية واضحة تلتزم أعراف الأردن، وأضاف أن المهرجان «تحول إلى مهرجان خلاعة ومجون... ولا يحقق مكاسب مادية» منذ سنوات. وفي سياق متصل، حاولت جماعة «وتعاونوا» الشبابية تنفيذ اعتصام للمطالبة بإلغاء المهرجان، تحت شعار «لا لمهرجان جرش... لا للاستهتار بدماء إخواننا في الشام». وكانت اللجنة التحضيرية لنقابة الأئمة والعاملين في وزارة الأوقاف، نفذت وقفة احتجاجية في الساحة المجاورة لمسجد الهاشمي الكبير وسط مدينة جرش، للمطالبة بإلغاء المهرجان، وذلك ل «الحرمة القطعية للغناء الماجن في أجواء التعري والاختلاط والموسيقى الصاخبة، والحرمة القطعية الواقعيّة من خلال جراحات الأمة النازفة في فلسطين وسورية والعراق»، وفقر ما نقلته وسائل إعلام عن اللجنة. لكن المهرجان مستمر على رغم ذلك كله. وكان لافتاًِ غياب نقيب الفنانين حسين الخطيب، عضو اللجنة العليا للمهرجان، عن حفلة الافتتاح، احتجاجاً على عدم استجابة الحكومة لمطالب مهنية واجتماعية تقدم بها أعضاء نقابته، قبل أن ينفذوا اعتصاماً مفتوحاً ما زال مستمراً منذ أكثر من شهر.