تترقب الساحة الحزبية في إسرائيل التظاهرة التي ينظمها، مساء اليوم في تل أبيب، جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي تحت شعار «من أجل توزيع العبء بشكل متساو»، أي فرض الخدمة العسكرية على الجميع. وتأتي التظاهرة احتجاجاً على تلكؤ الحكومة في سن قانون جديد يضع حداً لظاهرة إعفاء اليهود المتدينين المتزمتين «الحرديم» من الخدمة العسكرية التي يلزم القانون بها كل يهودي (ودرزي) في الثامنة عشرة. وأكدت تقارير صحافية أن التظاهرة تقلق رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ونائبه شاؤول موفاز على حد سواء. وجاء في أحد عناوين الصحف «جنود الاحتياط في الميدان، الحكومة ليست في أمان»، مضيفةً أن من شأن مشاركة عشرات الألوف في التظاهرة زعزعة الائتلاف الحكومي. ومنذ تاسيس الدولة العبرية جرت العادة على إعفاء «الحرديم» من الخدمة بداعي أن «توراتهم هي إيمانهم»، وأنهم مع بلوغهم الثامنة عشرة ينتقلون إلى المدارس الدينية الخاصة التي تحصل على موازنات حكومية ضخمة بفضل وجود الأحزاب التي تمثلهم في الائتلاف الحكومي. لكن المحكمة الإسرائيلية العليا أمرت قبل شهور، وبناء لالتماسات قدمتها أوساط علمانية، الحكومة بتغيير القانون الذي يعفي «الحرديم» من الخدمة (المعروف ب»قانون طال»)ووجوب سن قانون جديد «يوزع العبء بشكل متساوٍ» على جميع الشبان اليهود. وأمهلت المحكمة الحكومة حتى مطلع الشهر المقبل لإعداد القانون الجديد. وإذ رأى الجنود في الاحتياط أن الحكومة لا تستعجل تشريع قانون جديد قرروا التظاهر اليوم، خصوصاً في أعقاب قرار نتانياهو حل اللجنة الخاصة التي شكلها لبلورة مسودة للقانون الجديد بعدما أشرفت على إنهاء عملها. ورأوا أن نتانياهو أقدم على خطوته هذه تفادياً لإغضاب شريكيه من الحزبين الدينيين «شاس» و»يهدوت هتوراه» اللذين يرفضان إجراء أي تعديل جدي على الوضع القائم. كما أغضب القرار النائب الأول لرئيس الحكومة زعيم حزب «كديما» شاؤول موفاز الذي دخل الحكومة قبل شهرين تحت شعار «تغيير قانون طال» وهدد بالانسحاب من الحكومة في حال لم يتراجع نتانياهو عن تجاهل توصيات اللجنة. لكنه سرعان ما خفف لهجة تهديده وأخذ يبحث عن مخرج يبقيه في الحكومة وفي الوقت ذاته يتيح له عرض إنجاز ما لناخبي حزبه العلمانيين الذين يؤيدون بقوة إلزام «الحرديم» الخدمة العسكرية. وتدعو توصيات اللجنة إلى تجنيد 80 في المئة من «الحرديم» في الجيش لعامين أو لعام ونصف العام في إطار «الخدمة المدنية». كما تدعو إلى عقوبات شخصية صارمة على كل من يرفض الالتحاق بالخدمة بما في ذلك العقوبات الجنائية. واتهم رئيس اللجنة النائب من «كديما» يوحنان بلاسنر رئيس الحكومة بأنه اختار أن يقف إلى جانب «الحرديم» الذين يرفضون أي بديل ل «قانون طال». وسعى نتانياهو إلى رأب الصدع مع موفاز والتقاه أول من أمس ليبلغه أنه مستعد لتبني عدد من توصيات اللجنة الخاصة «خصوصاً المبادئ المركزية، مثل التجنيد للجميع أو تقاسم العبء بالتساوي» ومعاقبة كل من يرفض الالتحاق بالخدمة، لكن أوساط موفاز ردّت بأنها لا تثق بكلام نتانياهو ليقينها بأن الأخير لن يتخلى عن «التحالف التاريخي مع الأحزاب الدينية المتزمتة «التي سيحتاجها بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة». وأكدت أوساط قريبة من نتانياهو أنه ليس معنياً بأزمة ائتلافية مع موفاز لخشيته من أن يرى فيه العلمانيون من مختلف الأحزاب كمن خنع لضغوط «الحرديم» فيحاسبونه على ذلك في صناديق الاقتراع. وكرس نتانياهو اليومين الماضيين للقاءات مع رؤساء الكتل الشريكة في ائتلافه الحكومي في محاولة للتوصل إلى صيغة ترضي جميع الأطراف. ولإرضاء حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة وزير الخارجية المتطرف أفيغدور ليبرمان، أعلن نتانياهو أنه يجب إشراك الشبان العرب (مسلمون ومسيحيون) في «تقاسم العبء» على رغم أن القانون يعفيهم من الخدمة، وعلى رغم أن نائب المستشار القضائي للحكومة أوضح أن قرار المحكمة العليا تطرق إلى تجنيد «الحرديم» وليس العرب. وكان «إسرائيل بيتنا» الذي يناصب العداء والعنصرية ضد المواطنين العرب انسحب من اللجنة الخاصة بداعي أنها لم تبحث في تجنيد العرب. كذلك فعل ممثل الحزب الديني «يهدوت هتوراه». وكتب أحد المعلقين في الشؤون الحزبية أن ثمة مصلحة مشتركة لنتانياهو وموفاز لمواصلة الشراكة الحكومية بينهما، وهي «البقاء في الحكم» كل لأسبابه واعتباراته، إذ يخشى الأول أن تتأثر شعبيته ب»تردده في الحسم الذي يرجوه معظم الإسرائيليين»، فيستفيد من ذلك، انتخابياً الحزبان العلمانيان «إسرائيل بيتنا» و»عتيد» برئاسة الصحافي يئير لبيد، اللذان يرفعان شعار محاربة ابتزاز الأحزاب الدينية المتشددة للخزينة. ويدرك موفاز أن انسحابه سيعزز الجناح المتمرد ضده داخل الحزب الذي عارض دخول «كديما» في الائتلاف وطالب ببقائه في المعارضة ليطرح نهجاً بديلاً لحكومة نتانياهو. وأفادت تقارير صحافية أن «كديما» على شفا الانقسام الداخلي من دون استبعاد أن ينسلخ ثمانية نواب ليشكلوا كتلة منفصلة تقود معارضة حكومة نتانياهو.