أجمعت التعليقات في إسرائيل على أن قرار المحكمة العليا إلغاء قانون إعفاء اليهود المتزمتين (الحرديم بالعبرية) من الخدمة العسكرية هو «قرار تاريخي ذو أبعاد سياسية واجتماعية دراماتيكية»، إذ سيضطر الحكومة أو الكنيست إلى الاتفاق على قانون جديد يضع ترتيباً مغايراً لمسألة تجنيد الشبان اليهود على مختلف مشاربهم للجيش، من دون استبعاد أن يتسبب هذا الترتيب في أزمة ائتلافية تقود إلى انتخابات مبكرة في حال لم ينجح رئيسه بنيامين نتانياهو في التوصل إلى «صفقة» ترضي حزبي المتدينين الحرديم «شاس» و «يهدوت هتوراه»، شريكيه في الائتلاف. ووضع قرار المحكمة (بغالبية ستة قضاة ضد ثلاثة قضاة) الذي اعتبر «قانون طال»، الذي أعفى عشرات آلاف اليهود «الحرديم» من الخدمة الإلزامية لثلاث سنوات (بداعي أن «توراتهم إيمانهم» شرط ان يدرسوا حتى سن 25 في مدارس تلمودية او مدارس دينية - يشيفوت)، حداً لنقاش ساخن يدور بين العلمانيين و«الحرديم» منذ إقامة الدولة العبرية وإعلان مؤسسها ديفيد بن غوريون إعفاء 300 شاب متدين من الخدمة العسكرية، ولتردد المحكمة العليا منذ ثلاثة عقود في حسم موقفها. وقررت المحكمة انه لا يجوز للكنيست أن تمدد «قانون طال» لفترة أخرى، علماً أن هيئة سابقة أمهلت الحكومة والكنيست خمس سنوات لإجراء تعديل على القانون الحالي. وتنتهي هذه الفترة مطلع آب (أغسطس) المقبل. وطلبت المحكمة من الحكومة والكنيست وضع ترتيب جديد يضمن المساواة بين العلمانيين و «الحرديم». واعتبرت رئيسة المحكمة دوريت بينيش القانون المعمول به «قانوناً غير دستوري ويمس بمبدأ المساواة». وأضافت أن أمل المسؤولين في إسرائيل في أن يؤدي إعفاء «الحرديم» من الخدمة العسكرية الإلزامية إلى انخراطهم في سوق العمل أو في قيامهم بخدمات تطوعية تفيد المجتمع لم يتحقق لأن المعفيين لم يساهموا أيضاً في أي «خدمة وطنية» أو مدنية. وخلال السنوات العشر الأخيرة، تم إعفاء 62 ألف شاب متدين من الخدمة العسكرية لتفضيلهم الدراسة في المدارس التلمودية. وكان مفروضاً أن ينضم إليهم سبعة آلاف شاب آخر الصيف المقبل. وقاد الحملة ضد تمديد القانون حزب «إسرائيل بيتنا» العلماني الذي يتزعمه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، بداعي أن «الحرديم» يحصلون على امتيازات حكومية من دون أن يتحملوا أي عبء، خصوصاً الخدمة العسكرية الإلزامية. وأعلن ليبرمان أمس، أن عضو حزبه رئيس لجنة التشريع البرلمانية ديفيد روتم سيبلور مشروع قانون جديد يلزم جميع الإسرائيليين، «بضمنهم أبناء الأقليات، المساهمة في خدمة الدولة». ويحمل ليبرمان على المواطنين العرب لعدم تجاوبهم مع مشروع «الخدمة الوطنية» كبديل للخدمة العسكرية، علماً أن قانون التجنيد الإلزامي يستثني المواطنين العرب (باستثناء الدروز) من الخدمة الإلزامية. ويهدد قادة «الحرديم» بأزمة حكومية في حال تم تشريع قانون جديد يلزم شبابهم الخدمة العسكرية. وتعتزم أوساط في الحزبين المتزمتين «شاس» و «يهدوت هتوراة» بالتوجه مجدداً الى المحكمة العليا لإجراء بحث إضافي في هذه المسألة، لكن بعد انتهاء ولاية رئيسة المحكمة دوريت بينيش أواخر الشهر وحلول القاضي آشر غرونيس محلها، وهو الذي عارض قرار المحكمة الأخير بداعي أنه لا يجوز للمحكمة العليا التدخل في قرارات السلطتين التشريعية والتنفيذية. وتساءل معلقون في الشؤون الحزبية عما سيفعله نتانياهو الذي لا يمكنه مناوئة قرار المحكمة المدعوم من جميع الأوساط العلمانية، لكنه لا يريد أن يفقد ائتلافه الحكومي غالبيته البرلمانية التي يوفرها «شاس» و «يهدوت هتوراة». ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أوساط في حزب «ليكود» الذي يتزعمه نتانياهو قولها إنه في حال لم ينجح نتانياهو في التوصل مع شريكيه المتدينين إلى تفاهمات جديدة على تجنيد الشبان المتدينين، «فإن الأمر سيوفر تبريراً جدياً للحزبين للانسحاب من الائتلاف وتقديم موعد الانتخابات العامة المقبلة». ولفت أحد المعلقين إلى أن في وسع نتانياهو الذهاب إلى «ائتلاف حكومي علماني ديموقراطي وعقلاني وليبرالي» من دون الاضطرار إلى انتخابات مبكرة، «ائتلاف يغير نظام الحكم المتبع في إسرائيل ويبلور ترتيباً جديداً يضمن إلزام جميع الإسرائيليين بالخدمة العسكرية ويضع حداً لغبن تاريخي». وأضاف أنه في حال قام نتانياهو بتقديم مشروع قانون بهذه الروح «فإنه سيحقق انتصاراً ساحقاً في الانتخابات يضمن له البقاء في كرسي رئيس الحكومة لسنوات كثيرة أخرى»، لكن المعلق استبعد أن تكون لدى نتانياهو جرأة كافية للاستغناء عن شركائه المتدينين المتزمتين. ولم يستبعد أن يتفق معهم على مشروع قانون يلتف على قرار المحكمة العليا «ويتيح للحرديم مواصلة استغلال العلمانيين».