لست ضد خروج المرأة للعمل، ولست ضد تعطيل المجتمع أو تطوره بساق واحدة تكون للرجل، ولكن حماسنا لخروجها لسوق العمل في ظل أنظمة لم تتحرر فيها المرأة من كونها أنثى مملوكة للرجل، وقبل أن تتحول فيها المرأة من «شيء» إلى «إنسان»، أو من «موضوع» إلى «كيان» له حقوق الذات الإنسانية، وأولها حقا الفعل والفاعل، فتختار وتتحمّل المسؤولية وتجني ثمار عقلها، قبل أن يتحقق شيء من هذا فلن نجني من خروج المرأة على ضرورته وحاجته سوى مضاعفة لذل الاستغلال الواقع عليها، وعوضاً عن أن تكون أداة للعمل داخل البيت بسلطة ذكورية فحسب، ستصبح أداة للعمل خارج البيت ولحساب زوجها ورجال عائلتها وغير عائلتها أيضاً، ولتسأل في ذلك معظم نسائنا المتعلمات والمهنيات من الطبقة المتوسطة أو فوقها قليلاً، دع عنك الأقل تعليماً، فهل ملكت المرأة ذمتها الاقتصادية مثلاً من فئة الطبقات السابقة بمجرد أن عملت، أبداً بل زادت همومها وتضحياتها، وكأن قدر المرأة أن تعيش أبداً لتسد عجز الذكور ونقصهم. مجتمع يسيطر عليه الرجل كيف يمكن للمرأة أن تحارب شيئاً بإمكانه أن يسلبه بعض حقوقه التي توارثها وتعوّد عليها وأصبحت ضمن تركيبته الفحولية؟ فالرجل بالعموم يصعب عليه التنازل أمام المرأة ولو في حق من حقوقها، فكيف بالرجل العربي بكل جيناته التاريخية؟ مع أن في معاملة المرأة كإنسان، لا كرمز للغواية، ولا كآلة لتفريخ الأطفال، وإنما كإنسان قبل أي شيء، وبعد كل شيء، حين تعامل المرأة كإنسان مكرّم فإن فيه صيانة لأسرتها من خطر التفكك والشقاء أو الانحراف، فالمرأة بحاجة إلى الشعور بقيمتها وباحترامها لنفسها ولشرفها، قبل أن يكون هناك رجل يراقبها ويهددها ويحكم عليها في كل لفتة، إنها بحاجة إلى مناخ تسوده علاقات متكافئة وخبرات متقاربة وآلام مشتركة، فضعف المرأة وخجلها أو جهلها ليست صفات خاصة بها كي تكون موضع نقد وتندّر المجتمع عليها، فلو دققنا في موضوع الشرف وحده لوجدنا أنه شرف الرجل، أما المرأة فهي موضوع الشرف وليست صاحبة الشرف، فلا يعتبر القانون المصري - على سبيل المثال - قتل المرأة بدافع الشرف جريمة تستوجب القصاص، بل السجن وبحسب تقدير القاضي وشفقته بالمغدور. فإذاً الشرف في يد الرجل، ومن الطبيعي حين تؤول ملكيته المطلقة إلى الرجل فإنها تمنحه علاوتي القوة والحق على من لا تملك هذا الشرف، والتي هي المرأة، وفي الوقت نفسه من لا تملك هذا الشرف هي المسؤولة وحدها عن هذا الشرف، وحلها إن كنت منطقياً! ثم نعيب الآخر إن مارس علينا ازدواجيته، فانظر إلى حالك كيف غُمس بكل التناقضات في الدنيا! فما الفرق بين ما يُسمى بالملكية وما يُعرف بالمسؤولية؟ الفرق أن الرجل يظل ذا علاقات متعددة في السر والعلن ومع ذلك فهو الرجل الشريف، فالفاعل لا يعاقب، ولكن المفعول به، وهذا هو جوهر القهر ومنه الإحساس الكبير بالظلم الذي نشأ منذ النظام الطبقي الأبوي، أي النظام الذكوري السلطوي، فبماذا انتهينا من هكذا تناقض اجتماعي قانوني؟ بانفصال القوة عن المسؤولية، وتحويل المرأة إلى بديل يتحمل عن الفاعل إثمه وعقابه، فالرجل قوي ولكن المجتمع أجاز له التنصّل من مسؤولياته، فوسّع له في رقعة التسامح مع أخطائه، ومن تدمير أسرته إلى مجتمعه إلى دولته. الثورة ليست في تغيير الأنظمة السياسية والاقتصادية أو حتى الاجتماعية، بل ينبغي أن تمتد إلى الفكر والثقافة، ونقل المجتمع من حضارة أقل إلى أخرى أرقى، ومن مرحلة تاريخية إلى ثانية أكثر عدالة وإنسانية، الثورة تعني تياراً جديداً في العقل الواعي وغير الواعي للأمة العربية برجالها ونسائها، من هنا يتحرر الفرد كما يتحرر المجموع، فيشترك الجميع بدور الشريك لا بدور التابع، فهل يكون التمرد العربي المشهود وبالمفاهيم المذكورة للتو قد حسّن من وضع القيود التي أحاطت بالمرأة العربية وتحيط بها، أم أنه زاد فيها ويزيد منها؟ [email protected]