ثمة رموز فكرية نسائية متميزة في عالمنا الإسلامي، حتى أصبح لهن دور ريادي في التنمية، بعد انحساره لفترة طويلة، نتيجة لعوامل تاريخية واجتماعية أسهمت في تهميش المرأة وإقصاء دورها الذي جاءت به النصوص الشرعية وعززته السنة النبوية. تتحدث عن هذه القضية الأستاذة في كلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية الدكتورة رقية جابر العلواني (الحائزة على جائزة الدورة الأولى لجائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة)، وتؤكد العلواني أن هذا التراجع سببه عدة عوامل تاريخية واجتماعية تحتاج لدراسات واعية تقف على أسباب تلك العوامل، وتحدد طبيعة العوائق، ثم معالجتها من منطلق القرآن الكريم، بطريقة بعيدة عن النهج المستورد، والاستعانة بما توصلت إليه الدراسات الحديثة، وقراءة التراث قراءة نقدية واعية، ومن ثم استخلاص حلول تقرأ الواقع المعاش. مازالت المرأة المسلمة تواجه الآن العديد من التحديات في بعض المجتمعات التي تحمل الكثير من الأعراف والتقاليد البعيدة عن تعاليم الدين الإسلامي.. كيف يمكن إزالة تلك التحديات أمام المرأة؟ هذا يعود للتراكمات التاريخية والتركة الثقيلة التي تحملها تلك الأعراف والتقاليد، إضافة إلى التحدي الآخر الذي أصبحنا نلحظه وهو أن أي مطالبة من المرأة في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية لحقوقها قد يوصم بطريقة أو بأخرى أنه تأثر بالغرب ودعاوى المساواة وغيرها، وهذا لا يعني مطلقا أنه لا توجد رموز مشرقة في سمائنا، ونلحظ هذا في المؤتمرات والمنتديات والندوات، وفي وسائل الإعلام المختلفة، وأريد أن أشير أيضا إلى القدرة على تسليط الضوء على المرأة المسلمة وحضورها المحتشم والحضور العلمي الموجود، هذا لم يعد اليوم يسلط عليه الضوء بالشكل الكبير. الزينة والفكر لكن هناك من يقول إن المرأة مهتمة بزينتها على حساب الجوانب الفكرية أو القضايا المجتمعية.. كيف يمكن تحليل تلك النظرة السلبية؟ هذا في عمومياته لا يحمل شيئا من الصحة، فالتزين أو الجمال ليس شيئا غير مستحب في ديننا، لكن لا بد له من حدود ومجالات وضوابط وآداب، أما إن كنا نقول إن المرأة لا تظهر في وسائل الإعلام بصورة معينة أو أنه لا هم لها إلا الزينة والحرص على المظهر الخارجي دون الاعتناء بالنواحي الفكرية أو الاهتمامات الأخرى، فأنا في الحقيقة قطعا لا أرى أن هذه الصورة الموجودة في وسائل الإعلام المختلفة صورة حقيقية أو واقعية للمرأة المسلمة في واقعنا اليوم وفي مجتمعاتنا. المرأة ليست بهذه الصورة ربما هناك شريحة من النساء لديها هذه الاهتمامات فقط، ولكن هناك شريحة أخرى تستطيع أن تقوم بالتوازن وتحقق التوازن في حياتها وفي أسرتها، تقوم بهذا الدور وفق ضوابطه وآدابه المعروفة في كتاب الله وفي السنة النبوية، وفي ذات الوقت لديها اهتمامات علمية ثقافية اجتماعية بل حتى سياسية، ليس هناك انفصام في ديننا على الإطلاق فهذه النظرة إذا كانت فقط في وسائل الإعلام فوسائل الإعلام تنقل كل شيء، الصحيح وغير الصحيح الغث والسمين فليست الأمور بهذا الشكل. عداء تاريخي هل المرأة الغربية بالفعل مهضومة الحقوق؟ نعم، المرأة في الغرب مهضومة الحقوق بشكل واسع، والفكر الغربي لا يستحي من ذكر هذا، وكانت الأدوات التي تستخدم في تعذيب المرأة في القرنين السادس والسابع عشر تعرف بحرب «العاملات في السحر والشعوذة»، وهي موجودة حاليا في المتاحف هناك، وكانت ظاهر الحرب في ذلك التاريخ موجها إلى الساحرات و«المتشيطنات»، وراح ضحيتها من النساء الكثيرات، ومنهن بريئات من التهم الموجهة لهن، وكل تهمتهن أنهن أردن طلب العلم. وشكل هذا النوع من العداء التاريخي الموجود في الفكر الغربي للمرأة بيئة خصبة لنمو دعاوى التحرر والمساواة، مع قيام الثورة الصناعية، وكان فيها من هضم لحقوق المرأة، والزج بها في أعمال ليست فيها قسوة لا تتلاءم مع قدراتها الجسمية، فكانت تعمل لساعات طويلة، وأحيانا أكثر من الرجل، ومع ذلك تأخذ أجرا أقل مما يأخذه، الأمر الذي دعا إلى تظاهرات للمطالبة بالحقوق، وتحرر المرأة وغيرها حتى وصل الأمر إلى ما نحن فيه اليوم. لكن، هناك في مجتمعاتنا من ينظر إلى أن المرأة لدينا عايشت ظروفا مشابهة للمرأة الغربية عبر التاريخ؟ هذا غير صحيح مطلقا، المرأة في تاريخ الغرب عايشت ظروفا مختلفة عما عايشته المرأة المسلمة في بلادنا، ففي الغرب عانت من أفكار تخللتها تعاليم محرفة للكتب المقدسة التي حملت الكثير من العداء تجاه المرأة، إلى غير ذلك في الكتب المعتمدة لديهم، والممارسات التاريخية والتي حملت نوعا من العداء للمرأة، والمرأة حين قامت تطالب بحقوقها والمساواة كان لها ظرفية تاريخية واجتماعية تماما تختلف عن المرأة في مجتمعاتنا، لأن الذي ضمنها لدينا هو الله الذي خلق الإنسان، وجاءت المرأة في تعاليمها أنها أمر من الموت، وأكثر من الأفعى، وهذا ليس موجودا لدينا، فالرؤية القرآنية كما هي منذ 14 قرنا أو يزيد (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض). تكامل لا تنافر يطالب البعض الفصل بين الدعوة الرجالية والنسائية.. كيف تنظرين لذلك كباحثة في الفكر الإسلامي؟ لا أحبذ الفصل بين الدعوة النسائية والدعوة الرجالية، الدعوة واحدة ممكن أن تقوم بين النساء بشكل معين وبين الرجال بشكل آخر، ولكن لا نستطيع التحدث عن جوانب التقصير دون دراسات واقعية وإحصائيات وإدراك الواقع الذي نعيش فيه، ولا يمكن اعتبار الحياة بمفهومها العام حلبة صراع بين الرجل والمرأة، كل منهما له دوره المكمل للآخر، دون وجود التضاد أو التناقض، وإنما هو دور تكميلي، فإذا كان هناك تقصير فإنه يقع على عوامل ينبغي الوقوف عليها، وإذا كان هناك إيجابيات فهي للرجل وللمرأة على سواء. فأنا لا أوافق على تلك النظرة المجحفة سواء كانت بحق المرأة أو الرجل، المرأة شريكة للرجل في الحياة، ولا يوجد صراع مفتعل بين دور المرأة والرجل، فكلاهما لا يستطيع القيام بدورة على الوجه الأكمل دون وجود الشراكة الحقيقية التي جسدتها التعاليم القرآنية والسنة النبوية.