تُعد ظاهرة العمل التطوعي من الظواهر المستجدة في المشهد السعودي، ومع ذلك فهي تكشف عن رشد ونضج في العقل السعودي، باعتبارها ظاهرة إنسانية صحيّة وفطرية، تقوم على مبدأ التعاون العام والمنفعة الكبرى، من خلال الانخراط في الشأن العام، في سعي إلى إكمال الجهد الحكومي، والعمل على تعزيز قيم التعاون والتكافل، وتكريس مفهوم المواطنة والمدنية في المجتمعات الإنسانية الحديثة. ويقع مفهوم «التطوع» محلياً، في شباك سجالات الهشاشة حول مفهومه، ومجادلات سقوط أفراده في شرك انتهازية الوجاهة الاجتماعية، إلاّ أن السؤال عن أسباب التأخر في استحضار ثقافة العمل التطوعي لدى المجتمع السعودي، إلى وقت الأزمات والمحن، يبقى له من الوجاهة والشأن في هذا السياق. ويُرجع مراقبون أسباب التأخر إلى عوامل متعددة أبرزها تدني مستوى المعيشة، والتهميش في التربية، والإهمال في التعليم، والتغييب في الإعلام، والجمود في الأنظمة، وغيرها. وأدى تراكم هذه الحزمة من العوامل، إلى توليد مشاعر سلبية في نفوس الكثيرين، بداية بانعدام المسؤولية الاجتماعية، ومروراً بقتل روح المبادرة، وأخيراً في إثارة الدعة والأنانية، ولكن تلك الحزمة سرعان ما تلاشت، مع سماع «صافرة الكارثة»، على نحو لفت الأنظار وشدّ الانتباه. مفهوم الهشاشة... خاطئ وفي هذا السياق، يوضح مشرف مجموعة «مصدري» الصحية، إبراهيم القريشي أن فكرة المشروع جاءت من ضعف الوعي والتوعية الصحية في المجتمع، وشحّ المصادر الطبية الموثوقة، ومعاناة المرضى في البحث عن تلك المصادر، مشيراً إلى أن الهدف يتمثل في توعية المريض بما يمكنه من التعايش مع وضعه الصحي، مضيفاً أن مجموعته تعمد إلى ترجمة عدد من المنشورات الطبية كما تهدف إلى إقامة الحملات التوعوية والتثقيفية في المستقبل القريب. ويضيف: «الصعوبات التي واجهتني تمثّلت في قلّة الموارد المادية، وضعف تعاون الجهات المسؤولة، وكذلك في المظلة الرسمية الراعية». ويبيّن القريشي ان الإعلام الجديد لعب دوراً كبيراً في دعم العمل التطوعي تمثل بنشر ثقافته، وغرس مفهومه لدى أفراد المجتمع، والمساعدة في تفعيل جانب الحوار وتبادل الآراء والخبرات بين المعنيين في العمل التطوعي. ويرى مسؤول مجموعة «6:30» التطوعية، رائد بن سعيد أن معوقات العمل التطوعي تتمثل في غياب العقلية المؤسساتية، وضعف الوعي الأسري، وعدم الجدية لدى بعض المتطوعين، مشيراً إلى أن التحديات تتمثل في ابتكار الطرق الجديدة الملزمة لانضباط المتطوّع، ويلفت إلى أن المطالب تتمثل في إفساح المجال للمتطوعين في أداء الخدمة الاجتماعية. ويضيف: «البيئة التي تعوّدت على العمل المنقطع لا يمكنها أن تؤسس عملاً تنموياً مستداماً، وإيجاد العمل المؤسسي حاجة ضرورية وملحّة»، مرجعاً التعثر في العمل التطوعي، والهشاشة في مفهومه إلى انحسار التطوع في السابق في «جمع التبرعات حيث كان هذا هو المفهوم السائد، من دون غيره من الأعمال الأخرى». ويشدّد بن سعيد على دور الإعلام الجديد، وشبكات التواصل الاجتماعي، في نشاط العمل التطوعي وفعاليته، كونه أوجد البديل من الإعلام التقليدي، الذي وللأسف كان ضعيفاً في دوره، على رغم الأثر الكبير جداً من الناحية الاجتماعية والشخصية والمستقبلية التي سينعكس أثرها على الفرد والأسرة والمجتمع والوطن». ويؤكد عضو مجلس الشورى وصاحب مشروع «نظام العمل التطوعي» الدكتور عبدالرحمن السويلم أنه تمت دراسة النظام دراسة وافية من مجلس الشورى، ومن ثمّ رُفِع إلى مجلس الوزراء الذي كان مهتماً ومتفاعلاً مع المشروع، ويضيف إن المسألة مسألة وقت ليس أكثر، كما يبيّن تفاعل أكثر الوزارات مع المشروع، مبدياً أمله الشديد بألاّ يتأخر إقرار المشروع الذي سيدعم التطوع، ويمكّن من عملية المراقبة له قبل حصول الكوارث في المجتمع. وعن سجالات الهشاشة حول مفهوم ثقافة التطوّع، يُبدي السويلم رفضه لما يدور حول المفهوم من هشاشة، معللاً ذلك بكون التطوع جزءاً من ثقافة وعادات وأخلاق المجتمع والأسرة السعودية، وكل ما ينقصه ويحتاج إليه هو عملية الترشيد والتنظيم قبل الحديث عن عملية التطوير. ويبيّن السويلم أن أبرز المعوّقات والتحديات التي يواجهها العمل التطوعي، تتمثل في عدم وجود نظام وتنظيم للعمل التطوعي، القائم على ما سمّاه ب «النخوة والاجتهادات الفردية غير المنتظمة»، مؤكداً وجود الرغبة والحماسة لدى الكثيرين الذين لا يدعمهم وجود نظام يحفظ الحق للمتطوّع ويبيّن الواجبات له، وافتقاد كثير من الأفراد المتنفذين في الإدارات والجمعيات الخيرية معرفة كيفية الاستثمار والاستفادة من الطاقات، والعمل على توفير الدعم والتدريب اللازمين.