على رغم ان سورية واقعة منذ اكثر من عام في قبضة الحرب الأهلية، إلا ان الدول الغربية ومعها منظمة الاممالمتحدة انتظرت «تفجّر» المجازر الوحشية التي يرتكبها النظام منذ فترة، وتحديداً منذ دخول بعثة الاممالمتحدة الى سورية، لتعترف هذه الدول بحقيقة هذه الحرب. لم يكن خافياً منذ اندلاع الانتفاضة في العام الماضي عبر التظاهرات السلمية المحدودة، ان الجواب الذي رد به النظام على أطفال درعا وعلى الاحتجاجات يضمر جر البلاد الى حرب اهلية طائفية – مذهبية - عرقية، تشكل له السبيل الوحيد لبقاء العائلة والزمرة المحيطة بها في سدة الحكم. لم يخف الرئيس الأسد خطته عندما قال صراحة ان استقرار سورية مرهون ببقاء النظام، بل وإن استقرار المنطقة مهدد فيما لو تواصلت الانتفاضة، وأكثر من ذلك، اطلق تهديداً صريحاً بنقل النار السورية الى دول الجوار. بعد عام وأربعة اشهر، كيف يمكن قراءة ما يجري في سورية داخلياً، وما المفاعيل الخارجية لتصاعد الحرب الاهلية؟ في الداخل السوري، تؤشر المجازر البشعة المرتكبة كل يوم، والتي تتخذ أبعاداً طائفية ومذهبية، وخطفاً وقتلاً على الهوية، الى مزيد من تفكك النسيج الاجتماعي السوري، وخلق انقسام بين مكونات المجتمع، سيكون من الصعب اعادة لحمته في المدى القريب، حتى لو توقفت الانتفاضة سريعاً. يتحدث كثيرون عن تقسيم سورية، وفي خلفية رؤياهم ما كانت عليه قبل تأسيس الكيان السوري في النصف الاول من القرن العشرين. لا يبدو حتى الآن ان هذه العودة الى الدويلات السورية ممكنة التحقق. لكن الأخطر من كل ذلك هو الإقرار بحصول التقسيم الحقيقي لسورية على المستوى السياسي والاجتماعي والشعبي، وعلى العلاقة بين المجموعات التي تتكون منها سورية، والتي أمكن ان تتآلف وتتواصل مع بعضها على امتداد العقود السابقة. ان مسلك النظام من خلال المجازر التي تتقصد اجهزته الأمنية ارتكابها، إظهار منطقها الطائفي، ستشكل العائق الكبير في عودة الوحدة الوطنية والاجتماعية للكيان السوري وشعبه، وستحول المجموعات الى قوى متنافرة على الطريقة اللبنانية، بحيث تعيش حرباً اهلية مستدامة، سواء بقي النظام ام زال. وهذا هو التعبير الحقيقي عن مخاطر تفتت الكيان السوري وانهياره من خلال الحرب الأهلية الدائرة. على الصعيد الاقليمي، وعلى رغم تهديد النظام بنقل الحرب الى هذه الدول وإشعال المنطقة فوق رؤوس حكامها، إلا ان مفاعيل الحرب الأهلية السورية الدائرة والمتصاعدة امتنعت عن اكثر الدول. عجز النظام عن نقل حربه الى الساحة الفلسطينية، وهو الذي أدار فيها حروباً أهلية منذ ان كان يحتل لبنان، وأمعن في تمزيق مكوناتها. يعبر عن ذلك «نأي» المنظمات التي كان يرعاها عن الدخول في اقتتال داخلي او في تقديم العون لأجهزته الامنية، ولعل الطريقة التي تصرفت بها حركة حماس عبر نقل مراكزها وقياداتها خارج سورية، خير دليل على ذلك. اما الأردن، فلم يمكن النظام السوري ان يؤثر في بنيته الداخلية ويخلق توتراً بين عشائره وسائر مكوناته، فاقتصرت المفاعيل على حجم النازحين السوريين الى الاردن هرباً من الاقتتال. بالنسبة الى تركيا، سعى النظام الى التهديد بتحريك حزب العمال الكردستاني، وتنفيذ عمليات عسكرية داخل تركيا، واللعب على وتر المجموعة الطائفية العلوية ذات العدد الكبير في تركيا، إلا ان ذلك كان محدود الفاعلية، ولم يمكنه تنفيذ خطته، على رغم مواقف النظام التركي الحاسمة في مخاصمة نظام الأسد، وإيوائه اقساماً من الجيش السوري الحر، اضافة الى النازحين الموجودين بكثرة على الاراضي التركية. يبقى العراق، حيث يسعى النظام السوري الى علاقة تحالفية معه اساسها انحياز رئيس الوزراء العراقي نور المالكي الى النظام الايراني، الذي يقود اشرس الحملات الاقليمية والدولية لدعم الاسد ومنع سقوطه. اما لبنان، فهو البلد الوحيد الذي امكن النظام السوري ان ينجح في نقل حربه الأهلية الى الداخل اللبناني ولو في شكل محدود. ليس من شك في ان المجموعات اللبنانية، خصوصاً الطوائف، نجحت الى حد بعيد على امتداد عام من الانتفاضة السورية، ان تجنب الساحة اللبنانية مفاعيل الاحداث هناك. بصرف النظر عن السجال حول سياسة «النأي بالنفس» التي وضعتها الحكومة شعاراً لسياستها تجاه الازمة السورية، إلا ان فترة زمنية غير قصيرة نجح لبنان فيها تجنيب مناطقه اضطرابات اهلية. لكن مسلك النظام السوري في الفترة الاخيرة، وإصراره على ادخال لبنان في أتون حربه الاهلية، من المدخل المذهبي، وضع الساحة اللبنانية امام مرحلة تحمل مخاطر كبيرة. فالاضطرابات التي شهدتها، ولا تزال، مناطق الشمال والبقاع، تنذر بدخول لبنان في صميم الحرب الاهلية السورية، ولا شيء يضمن عدم توسع هذا الانخراط والأشكال التي يمكن ان يتخذها. لعل هشاشة البنى اللبنانية، وسعي المجموعات الطائفية التى التدخل بإرادتها، سواء منها المناهضة للنظام السوري او الموالية له، تظهر نقصان الأهلية اللبنانية في تجنيب لبنان مخاطر انزلاق الى اقتتال اهلي لم تجف آثار دمائه حتى الآن في كل المناطق اللبنانية. فشل النظام السوري في نقل حربه الاهلية الى دول الجوار بسبب مناعة مجتمعات هذه الدول، لكنه نجح في اعادة تظهيرها لبنانياً بسبب نقصان المناعة في هذا البلد. اذا كان من نجاح يمكن ان تحققه طاولة الحوار التي عادت مجدداً، فهو النجاح في إيقاظ الوعي لدى المجموعات اللبنانية في منع انتقال الحريق السوري الى مجمل الاراضي اللبنانية. فهل تملك هذه المجموعات او ترغب في هذا الخيار؟ ألف علامة استفهام وشك حول الجواب. * كاتب لبناني