مع اتساع مشاركة السلاح من الجانبين في الانتفاضة السورية، وتكرار حديث المسؤولين السوريين عن المخاطر التي يشكلها التدخل الخارجي في هذه الأزمة على المنطقة بأسرها، إضافة إلى حديث «الحرب الأهلية» الذي يشغل الداخل السوري والخارج على حد سواء، أخذت الأزمة في سورية تسير على طريق «اللبننة»، وتحمل الكثير من المظاهر التي ميزت أزمة لبنان: انتشار للسلاح، واتهامات بتدخل الخارج في الأزمة، فضلاً عن الحرب الأهلية التي صارت عنوان حرب لبنان التي امتدت لأكثر من عقد ونصف من الزمن. ومن غريب المفارقات أن المسؤولين في سورية، الذين خبروا أهوال «اللبننة»، وراقبوها عن قرب وعن بعد، وشاركوا في كل فصولها، في الحلحلة حيناً وفي التخطيط معظم الأحيان، هؤلاء المسؤولون هم الذين يتجاهلون اليوم البعد الداخلي الخطير للأزمة في بلدهم، ويلقون مسؤولية الانفجار الحاصل فيه على «حروب الآخرين» على أرضهم، على رغم درايتهم أن اختراع هذا التعبير اللبناني كان الهدف منه إلقاء مسؤولية الحرب على التدخلات الخارجية في الأزمة اللبنانية، والتي كان التدخل السوري على رأسها، لكن هذا الشعار كان يُبعد أيضاً وبطفولية ساذجة، مسؤولية ما يحصل عن كاهل اللبنانيين، على رغم أنهم كانوا هم المقاتلين والمقتولين الحقيقيين، في المجازر المتنقلة التي تميزت بها حرب لبنان. إذ لم يكن ل «حروب الآخرين» تلك أن تنتعش لولا الخلل الداخلي الأصيل في التركيبة اللبنانية الذي كان كالجرح المفتوح المؤهل للإصابة بكل أنواع الالتهابات. أضف إليه ظاهرة أخرى ميزت المقاربة اللبنانية لتلك الأزمة، وهي تميز اليوم المقاربة السورية أيضاً، وهي الزعم أن التعايش بين مختلف الطوائف هو على أحسن حال، وأن هذا التعايش من شأنه أن يحصّن البلد من مخاطر تلك الحرب الأهلية، على ما أكد الوزير وليد المعلم أكثر من مرة في مؤتمره الصحافي الأخير، معتمداً على «وعي السوريين» من أجل درء الفتنة عن بلدهم. إنها عملية غش منظم لإخفاء عيوب المرض الداخلي. مع أن هذا الأسلوب، في السياسة كما في الطب، هو أقصر الطرق لتفاقم المرض وتكرار الإصابة. ففي معالجات أزمة خطيرة كالتي تشهدها سورية اليوم، يجب أن تحتل الأمنيات والعواطف مكاناً ثانياً وأن يكون الأساس هو التحليل المنطقي والسليم لحال المجتمع السوري. إذ لا يوجد عاقل أو محلل أو عارف لحقائق الوضع في سورية، سواء على مستوى قيادتها السياسية أو قيادتها العسكرية، إلا ويدرك حجم الخلل في التمثيل الطائفي وانعكاس ذلك على طبيعة العلاقات الداخلية بين المكونات الطائفية والمذهبية في هذا البلد. وإن لم يكن الأمر كذلك، فلماذا الحديث المتكرر عن «مخاوف الأقليات» في سورية وفي محيطها، إذا حصل تغيير سياسي في دمشق؟ لقد أكد الرئيس السوري في حديثه الأخير إلى «الصانداي تايمز» البريطانية قراءته المبدئية للأزمة السورية: إنها أزمة مفتعلة يشجعها التدخل الخارجي، العربي منه والغربي. ومهما كانت صحة تحليل الأسد لأهداف هذا التدخل التي يرى أنها تريد القضاء على قوة سورية وصلابة مواقفها، فان إخفاء حقيقة المشكلة الداخلية بين طوائف ومكونات المجتمع السوري، ليس من شأنها سوى مفاقمة هذه الأزمة وتدهورها إلى الحد الذي لا يعود ينفع معه سوى ... التدخل الخارجي الذي يشكو منه النظام اليوم. وفي السابقة اللبنانية مثال لمن أراد أن يهتدي.