ظل الريف المصري طرفاً فاعلاً في كل انتخابات أجريت على مدار العقود الماضية، فأهله على رغم تدني مستواهم التعليمي دأبوا على المشاركة في عمليات الاقتراع المتعاقبة، ليس من منطلق المشاركة السياسية ولكن لاعتبارات اجتماعية بالأساس. ملايين الأصوات يملكها من بيده تسيير الأمور في هذه المناطق البعيدة من اهتمام الساسة والإعلام في آن، إذ غالباً ما تنصاع العائلات أو على الأقل غالبية أفرادها إلى خيارات رؤوسها، كما اعتادت من سنوات طويلة، لكن الأمر بدا مختلفاً في جولة الحسم في انتخابات الرئاسة التي تنافس فيها مرشح جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي والمرشح المحسوب على المجلس العسكري الحاكم الفريق أحمد شفيق. أهل الريف المعروفون بتدينهم الفطري غالباً ما تجذبهم الشعارات الدينية ووعود تطبيق الشريعة والحكم بما أنزل الله، وهم يوقرون رجال الدين الكبار فلا يكاد يخلو بيت من أشرطة خطب دعاة السلفية محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحويني وإسماعيل المقدم. وفي القرى وجود ملحوظ لجماعة «الإخوان» التي احترفت مداعبة مشاعر البسطاء، لذا لم يهتم أنصار مرسي بشعارات الثورة البراقة في دعاياتهم في الريف «فلكل مقام مقال»، وركزوا أساساً على دعم مشايخ السلفية لمرشحهم الذي يحمل «مشروع الإسلام»، مستفيدين من حقيقة أن للمساجد في القرى عاملاً أساسياً في تكوين آراء أهلها، فنشطت الجماعة في هذه المساجد والزوايا وطرحت خطاباً إسلامياً أكثر منه ثورياً، وانتشرت اللافتات التي تحمل صور وأسماء دعاة السلفية الداعمين لمرسي لكسب أصوات القرويين. لكن شفيق خصم عنيد، وهو عرف جيداً من أين تؤكل الكتف، فخاطب المصالح لا المشاعر، بوعده الفلاحين بالتغاضي عن خرقهم القانون بل وتقنين مخالفاتهم بالبناء على الأراضي الزراعية، فما من قرية لم تشهد رقعتها الخضراء عشرات أو مئات التعديات التي رأى مرتكبوها في وعود شفيق تحقيق مصالح طالما انتظروها لسنوات. وما أن أطلق شفيق هذه الوعود حتى تفاعلت في الريف بعيداً من ضجة الإعلام وأحدثت شقاقاً في صفوف عائلات كانت لا توارب في دعمها مرسي، وخلال يومي الاقتراع تعددت المشاحنات بين أهل الريف بسبب دعم مرسي أو شفيق ووصلت في بعض الحالات إلى اشتباكات بين أبناء العمومة. وقال محمد جمال (26 سنة) من قرية الرقة الغربية في مركز العياط التابع لمحافظة الجيزة إنه وأشقاءه صوتوا لمصلحة شفيق من أجل تقنين بنائهم منزلاً على أرض زراعية يمتلكونها في القرية. وأضاف: «منذ سنوات ونحن نعيش تحت رحمة مسؤولي الإدارة المحلية... أملنا ترخيص المنزل، وشفيق وعد بذلك، فلماذا لا ننتخبه؟». أما ابن عمه الطبيب أسامة شريف (32 سنة) فيرفض هذه «النظرة النفعية». وقال: «ننتخب رئيساً لمصر، لا مسؤولاً للحصول على منفعة... الوعد الذي أطلقه شفيق مخالف للقانون أصلاً، ثم من أدراهم أن مرسي سيهدم منازلهم؟ ما كان يجب أن ينساق الناس وراء مصالح آنية زائلة».