على إحدى ضفاف شارع طرابلس في مدينة مصراتة الليبية، ينتظم معرض دائم يؤمه الزوار والسياح وكل ضيوف المدينة التي حاصرها القذافي بكل كتائبه من جهاتها الثلاث، إضافة إلى البحر والجو ثم احتل بعض أجزائها... لكن هذه المدينة التي قاومت من أجل نيل حريتها وقدمت آلاف الشهداء استطاعت أن تدحر كتائب القذافي إلى خارجها ومن ثم أن تطارد فلولها إلى طرابلس. يحتوي المعرض الضخم على بانوراما شاملة للثورة الليبية تتمثل في عرض مخلفات حرب ومخترعات حربية اجتهد المهندسون المصراتيون في صنعها لتساعدهم في حربهم، إضافة إلى صور الشهداء من كل مدن ليبيا، وكذلك الغنائم التي غنمها الثوار والتي تحمل دلالات ذات معنى، ككرسي معمّر القذافي الأخضر المحلى بالذهب أو اليد الضخمة التي كانت منتصبة في ثكنة باب العزيزية في طرابلس. وثمة لقى أخرى ولوحات ومجسمات ومخطوطات ولافتات موجودة في المعرض في وضع يجعلها تقدم نفسها، ليس من أجل أخذ العبر إنما كعمل فني يخاطب الروح ويُحدث فيها دهشة. ويقول مدير المعرض علي بشير الشنبة المتحمس جداً لفكرة هذا المعرض الدائم الذي نقلت منه نسخة مصغرة لتعرض ضمن معرض القاهرة الدولي للكتاب في شباط (فبراير) الماضي وأخرى في معرض طرابلس الدولي في آذار (مارس): «هذا المعرض هو واجهة مصراتة وليبيا. فيه معروضات تعبر عن تاريخ الثورة، ونحن نسعى لجعله يشمل معروضات من كل مدن ليبيا. ومصراتة كانت شوكة في حلق النظام واندلاع الثورة فيها جنّب الوطن الانقسام إلى شرق وغرب». وعن فكرة هذا المعرض يقول إنه بدأ كفكرة عائلية إذ عمل مع أفراد من أسرته على جمع مخلفات الحرب وعرضها في الهواء الطلق في شارع طرابلس، ثم تطور المعرض بمساعدة سكان مصراتة والناشطين والفنانين ليصير معرضاً دائماً. والحقيقة أن المعرض تحول إلى متحف كبير ومقصد مهم لوكالات الأنباء والمراسلين الأجانب وضيوف مدينة مصراتة من المدن الأخرى. وهو يتوسط شارع طرابلس وخلفه سوق الخضر والمواشي والفواكه الذي كانت تتخذه كتائب القذافي مقراً للقيادة ومكاناً لإخفاء الدبابات عن طائرات الناتو. وسط مخلفات الحرب والمدافع المحترقة والدبابات المحطمة المدمرة يمكنك أن تتجول وتلمس كم هو ثمن الحرية الذي قدمه الشعب الليبي غال جداً. فالديكتاتورية عندما تنهض تنفق البلايين وعندما تزال ينفَق الدم. يذكر أن مصراتة كانت تحمل الاسم الفينيقي «توباكتوس»، ولا تزال آثار الفترات الفينيقية والرومانية والليبو-رومانية متناثرة على برها وكثبانها وحواف شواطئها. وتعتبر المدينة محطة للقوافل وللحجاج، وفيها طريق الحاجية الشهير الذي سلكه جميع حجاج المغرب العربي. وهي تطل على شاطئين وفيها مرافئ ومراسٍ عدة. وقد حققت بالتجارة والزراعة والصيد حضورها على الخريطة الليبية كمدينة تعددية متنوعة توافدت عليها هجرات وجماعات بشرية، بعضها استقر وتمازج وبعضها ساهم في حياتها ورحل. كذلك كانت لها علاقاتها الخاصة بالبندقية وجزر المتوسط وقد ظهرت مصراتة على خريطة الادريسي الشهيرة، وزارها الرحالة الشهير الحسن الوزان «ليون الافريقي» وتحدث عن بهاء بساتينها وغنى أهلها. كذلك زارها الرحالة العياشي وأقام فيها مرتين جيئة وذهاباً وهو في طريقه الى الحج. وكتب عنها ووصف اهلها وتحدث عن علمائها وازدهارها امثال الشيخ الزروق والشيخ فتح الله والشيخ بوتركية.