للوهلة الأولى لا يبدو الخبر طيّباً بالنسبة الى السينما. والخبر آت من فرنسا ويتعلق بالعروض السينمائية على الشاشات الصغيرة، والحال اننا في مثل هذه المجالات حين نتحدث عن فرنسا نكون كمن يتحدث الى حد ما عن اوروبا ايضاً، علماً أن ما يعني اوروبا في المجال نفسه قد يعني أجزاء كثيرة من العالم. إذاً هذا الخبر الفرنسي لا يبدو مريحاً للسينما. والخبر هو رقم، أو بالأحرى مجموعة أرقام يمكن حصرها في رقم واحد او اكثر قليلاً: إذا كان مجموع ما عرضته الشاشة الفرنسية الصغيرة الرئيسية (فرانس 2) خلال سنوات التسعين من القرن الفائت ما معدله 186 فيلماً سينمائياً جديداً في العام الواحد، فإن هذه الشاشة نفسها عرضت خلال العشرية الأولى من القرن الجديد ما معدله 170 فيلماً في العام. اي بنقصان يصل الى عشرة في المئة. فإذا ما نظرنا الى ارقام المحطات الكبرى الفرنسية الأخرى ( مثل تي إف1 وإم 6 ) سوف نجد النقصان اكبر حيث ينخفض العدد بنسبة 20 في المئة و28 في المئة تباعاً. هذا بالنسبة الى الأرقام التي تبدو فصيحة جداً ها هنا...بيد ان «الأخطر» من هذا، انما هو نوعية معظم الأفلام المعروضة على مثل هذه الشاشات الشعبية جداً: انها في معظمها افلام مغامرات وأكشن وتهريج صريح، وما يشبه ذلك...إنه جرس إنذار أليس كذلك؟ ربما...ومع هذا ربما ايضاً يصحّ ان نعود الى العبارة التي بدأنا هذا الكلام بها، عبارة «للوهلة الأولى»...لنقول انه بما أن المعروف ان لكلّ خبر سيء جانباً ايجابياًَ، سننتقل هنا على الفور الى رقم آخر، قد يصعب على غير المتابع المدقّق إدراك ارتباطه المباشر بالأرقام التلفزيونية المذكورة أعلاه، إنه الرقم الذي يأتينا من فرنسا كذلك – ويمكن ايضاً تعميمه أوروبياً وايضاً وايضاً اعتباره، بالتالي رقماً يعكس ما يحدث في انحاء كثيرة من العالم، في مجال دلالته على الأقلّ -: هذا الرقم يتعلق هذه المرة بالعدد الإجمالي للتذاكر المباعة في صالات السينما في فرنسا خلال العام المنصرم 2011، حيث تقول الإحصاءات الرسمية ان عدد هذه التذاكر قد بلغ 216 مليون تذكرة، وهذا رقم مدهش في كلّ الحسابات لم تعرفه وقائع الارتياد الجماهيري لصالات السينما في هذا البلد منذ عقد الستينات من القرن الفائت، اي العقد الذي وصل فيه ارتياد الناس للصالات السينمائية الى ذروة لم تعد واردة في العقود التالية. يقيناً ان هذا الرقم السينمائي المدهش لن يفوته ان يشعرنا بأن محبي الشاشة الكبيرة لا يجدر بهم ان يقلقوا ازاء الأرقام التلفزيونية التي ذكرنا...بل أكثر من هذا، لعل في إمكان دراسات سوسيولوجية دقيقة ان تستند الآن الى نوع من مبدأ السببية لترصد علاقة ما بين الأرقام التلفزيونية والرقم السينمائي...لتستنتج مرة أخرى ان السينما لن تموت، رغم كلّ التكهنات.