يبدو أن الفرنسيين وجدوا ملاذاً العام الفائت، يبعدهم عن الأزمة الاقتصادية وشجونها، فتوافدوا بكثرة فاقت التوقعات على دُور العرض، حيث حقق ارتيادهم إياها رقماً قياسياً لم يتم بلوغه منذ 45 عاماً. وأوردت آخر التقديرات الصادرة عن المركز الوطني للسينما في فرنسا، أن ارتياد دور العرض الفرنسية شهد العام المنصرم زيادة مقدارها 4.2 في المئة مقارنة بالعام الذي سبقه، بحيث بلغ عدد تذاكر الدخول إلى الصالات مئتين وخمسة عشر مليوناً، من ضمنهم تسعون مليوناً للفيلم الفرنسي وتسعة وتسعون مليوناً للفيلم الأميركي. وفيما تبين هذه الأرقام ثباتاً في نسبة التردد على مشاهدة الأفلام الأميركية (زيادة أقل من واحد في المئة)، فإنها تدل على بوادر عافية السينما الفرنسية التي حققت العام الفائت أفضل إنجاز لها منذ سبعة وعشرين عاماً، إذ تظهر إحصاءات المركز المذكور أن معدل الإقبال على مشاهدة الفيلم الفرنسي ارتفع بنسبة 21.4 في المئة خلال السنة الماضية، وتجاوزت حصته في سوق العرض 41 في المئة، وهي أعلى حصة منذ عشر سنوات. أما حصة الفيلم الأميركي فتدنت إلى 46 في المئة. وحقق عشرون فيلماً فرنسياً من اصل اثنين وخمسين، أكثرَ من مليون بطاقة دخول، وبلغ التردد على دور السينما أقصاه في تشرين الثاني (نوفمبر)، حين بدأ عرض الفيلم الفرنسي «المنبوذون» (الترجمة الحرفية هي غير القابلين للمس Les intouchables)، إذ ساهم تهافت الفرنسيين على مشاهدة هذا الفيلم، والذي تجسد ب16 مليون بطاقة دخول خلال شهرين، في الارتفاع الكبير في نسبة الإقبال على الفيلم الفرنسي. والفيلم الذي اعتبر «ظاهرة» في السينما الفرنسية، مأخوذ عن قصة حقيقية، وهو يصور حياة نبيل غني يصاب بالإعاقة بسبب حادث سيارة، فيوظف «إدريس» لمساعدته في المنزل، وهو شاب أسود من الضواحي كان خرج لتوه من السجن. ويسبب هذا اللقاء بين هاتين الشخصيتين المهمشتين من المجتمع والمختلفتين في كل شيء، عدداً من المواقف المضحكة، ولكن أيضاً الانفعالية والعاطفية. وتنتج عن هذا التعايش بين عالمين متباعدين في الذوق والمظهر ونمط السلوك، علاقةُ صداقة فريدة. وعلى رغم أن الفيلم كان حافلاً بالأحداث «المتوقعة» والخطاب النمطي، إلا أن ذلك لم يمنعه من مس قلوب الفرنسيين، وهو مازال يعرض إلى اليوم على الشاشة الكبيرة في فرنسا ويجول العالم، إذ عرض في الولاياتالمتحدة واليابان وتركيا وفي دول أوروبية ولاقى إقبالاً كبيراً، لا سيما في ألمانيا. وساهمت أفلام فرنسية أخرى في شد المتفرجين إلى الصالات والمساهمة في هذه السنة النوعية للسينما الفرنسية، منها «لا شيء للتصريح» للممثل الهزلي داني بون، و«بوليس» للمخرجة ماي وين، و«الفنان» لميشيل هازانافيسيوس. يذكر أن حصة السينما «الأخرى» في دور العرض، انخفضت مقارنة بالعام الفائت أكثر من 4 في المئة، وبلغت 12.4 في المئة. وشكل أحد أفلام هذه الفئة «ظاهرة» فريدة في دور العرض الفرنسية، حين اقترب رصيد البطاقات المباعة لمشاهدته من المليون، وهو الفيلم الإيراني «انفصال نادر وسيمين» لأصغر فرهادي.