يعسُر على الجماعات الطائفية المسلحة الاعتراف بخطرها. ويعسر عليها أكثر الإقرار بطبيعتها المهددة لكيان الجماعة التي تدعي تمثيلها وحمايتها والانتماء إليها قبل تهديدها الجماعات المنافسة أو العدو الخارجي، وقبل هذا وذاك، تنكر الجماعات تلك وقوفها ضد كل صنوف التفاعل المفضية الى تشكيل نسيج وطني. مزيج من البنى العشائرية - القبلية والإيديولوجيات الشمولية تحول دون رؤية الطوائف وقواها المتأهبة للدفاع عنها ما يتجاوز مصالحها المهددة أبداً من الفئات المشابهة - المنافسة. عقدتا الاضطهاد وجنون العظمة والرسالات الخالدة تتداخل في نظم سلوك الجماعات المأزومة اللاجئة الى اختراع اعداء وتواريخ وهميين لبناء قوقعة صلبة تحتمي في داخلها من كل تغيير. من جهة، هناك من يقول ان السلاح في يد «حزب الله»، هو للدفاع عن الوطن في وجه العدوان الاسرائيلي، وفي يد إسلاميي طرابلس هو للفتنة وإثارة الفتن المذهبية ونقل الإرهاب الى سورية. في المقابل، لا عمل لسلاح شبان طرابلس هذه الأيام سوى رد غائلة الهيمنة الفارسية على مدينتهم والدفاع عن كرامة أهل السنّة في وجه التهديد السوري باحتلالها مجدداً. اما سلاح «حزب الله» فهو سلاح غدر استباح العاصمة بيروت وتلوث في قتل السنّة في اشتباكات باتت عصية على الإحصاء. لا مجال للمقارنة، بطبيعة الحال، بين ما يملك «حزب الله» لا كمّاً ولا نوعاً، من عتاد حربي متطور وبين ما يجري تداوله من سلاح خفيف وبدائي بين أيدي مسلحي الجماعات الطرابلسية. فالأول وجد برعاية اقليمية لوظائف تتجاوز الدفاع عن لبنان وتتعلق بالأدوار التي يريد ان يحتفظ بها قادة سورية وإيران. لكن ذلك لا ينفي صدور السلاحين، والخطابين اللذين يحيطان بهما، عن أسباب متشابهة. أول هذه الأسباب وأفدحها، عدم الثقة بالدولة ومؤسساتها كجهة ضامنة للأمن الداخلي وضد العدو الخارجي. فعملية انتاج الدولة الطائفية في لبنان، اسقطت دائماً مهمة بناء جيش وطني قوي من جدول اعمالها. بهذا المعنى، تبدو المآخذ التي سيقت ضد رفض الجمهورية الأولى، قبل اتفاق الطائف، الاهتمام بالجيش وتسليحه، وقد اعيد العمل بها اثناء فترة وصاية النظام السوري وبعد انسحاب جيشه، لأسباب تتلاقى في العمق مع ما كان معمولاً به في الحقبات السابقة: التوافق اللبناني الهش لا يسمح ببناء جيش قوي. عليه، ينبغي على كل جماعة توفير أمنها الذاتي. اتفاق الطائف جدد هذه الصيغة باستثنائه الضمني تسليم سلاح المقاومة إلى السلطة. وبسبب حصر سورية المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي بعد العام 1990 بطرف واحد، موال وذي مرجعية اقليمية حليفة، هو «حزب الله»، صار الحزب الطرف «الأهلي» الوحيد المسلح. بيد أن الصيغة هذه ما كان لها ان تستمر، في غياب آلة القمع السورية. وبديهي أن ترى الطوائف في سلاح طائفة أخرى مصدر تهديد حقيقي، خصوصاً مع تكرار استخدام الحزب سلاحه في الداخل، وهو استخدام اصيل وراسخ في تاريخ الحزب، منذ اعوامه الاولى في صراعاته ضد حركة «امل» وقوى اليسار وغيرها، رغم المحاولات الحثيثة التي قام بها «حزب الله» لتصوير نفسه كطرف بعيد عن الارتكابات الداخلية. والحال ان الصفات التي يلصقها مؤيدو «حزب الله» بمسلحي طرابلس، تنجم عن شدة التشابه بين الفريقين وليس عن عمق الاختلاف بينهما. فالطرفان يرفعان لواء الجماعة المهددة في امنها والمحرومة من سبل الحياة الكريمة والمضطهدة من قبل قوة خارجية عاتية. هو سلاح واحد، إذاً، في أيدٍ مختلفة.