في أوروبا التي تحارب التدخين جهاراً نهاراً، تجد المعسل في الشوارع، وفي الخليج تجده بجانب الشوارع في الأسواق، أما في السعودية فتجده في الاستراحات! ومن بين دول العالم كافة نحن فقط في السعودية من أدركنا أن رأس المعسل يعادل 40 سيجارة تارة و48 سيجارة تارة أخرى وأحياناً مئة سيجارة، ويبدو أن التأثير يعتمد على النكهة، لذلك وحفاظاً على صحة المواطنين تم نفي «المعسلين» إلى الخارج. لكن مهلاً، على رغم تلك التحذيرات يبدو أن في المسألة انتقائية، ففي جدة على سبيل المثال، ما زالت المقاهي تنتشر، وحقيقة لا أفهم سبباً لهذه السياسة المزدوجة للأمانات، فهو إما أن يكون ممنوعاً في المناطق كافة وإما مسموحاً في المناطق كافة، لكن أن يتم التعامل وفق أمزجة وأهواء، هنا لا أملك إلا التعجب من مثل هذه الازدواجية، ترى هل لدى أحدكم إجابة؟ لم أكتب ما سبق دعماً لتدخين المعسل، «حاشا لله»، بخلاف أنني لا أريد للداعية محمد العريفي أن يأخذ فكرة خاطئة و«يستلمنا» بعد الانتهاء من سلسلة «الأماني في التصدي للأغاني» التي ابتدأها بالفنان محمد عبده وأحلام، وقد تمتد لتشمل جاستين بيبر وليدي غاغا. فأنا قلت ما سبق لأنني كنت وما زلت أدعو إلى احتواء الشبان وعدم دفعهم بعيداً عن أعيننا لأعذار واهية، فلا أرى أنه من الحصافة نفي الشبان خارج المدن وإتاحة الفرصة أمام وسائل الخراب كافة لأن تهددهم بعيداً عن الأعين، وسبق أن تحدثت في هذه الجزئية تحديداً في مقالات سابقة، لكن لا يبدو أن الأمور تؤخذ على محمل الجد، وإلا فأي منطق يتقبل فكرة إتاحة الفرصة للشبان للانعزال عن مجتمعهم وتهديدهم بما هو أخطر من المعسل لمجرد شعارات تتردد عن مكافحة التدخين؟! وأيهما نحن أكثر استعداداً للتعامل معه، التدخين أو المخدرات أو الجريمة أو حتى الإرهاب؟ أعتقد أن المقارنة واضحة وليست في حاجة إلى مزيد من التوضيح. نأتي الآن للوجه الآخر، محطات الوقود، ففي أوروبا وكذا في دول الخليج العربي تحتاج إلى أن «تدوخ السبع دوخات» لتجد محطة وقود تنعش بها مركبتك، أما لدينا فنحن في حاجة إلى تصحيح النظرة المأخوذة في الخارج عن أن بئر نفط لكل مواطن إلى محطة وقود، فمن النعم لدينا أن محطات الوقود لم تقف على الشوارع الرئيسية، بل جاوزتها لتطرز الأحياء والشوارع الفرعية، ناهيك عمّا تتمتع به من مواصفات، فهي على رغم تهالكها وشكلها التراثي، إلا أنها متكاملة، وكل محطة مزودة ب«كهربائي وبنشري وصالة تلميع ومركز تسوق ومطعم كبدة «حاشي» وضعوا خطاً تحت هذه الأخيرة. المفارقة هنا أنه في الوقت الذي تدعي فيه «الأمانات» سعيها إلى الحفاظ على البيئة، وذائقة سكان المناطق والأحياء، وسلامتهم، وتبعد المقاهي لخارج نطاقها العمراني، تعزز في المقابل حضور محطات الوقود بما تحمله من مخاطر وغازات وملوثات للبيئة، وخذوا على سبيل المثال في مدينة الدمام وعند دوار «الصدَفة» تحديداً: هناك ثلاث محطات وقود في مساحة لا تتجاوز 300 متر! وأزف لكم البشرى: إن الرابعة على وشك أن تطلق أعمالها! ترى كيف أمكن منح أربعة تصريحات لمحطات وقود في هذه البقعة؟ الآن: وعطفاً على طفرة تلك المحطات التي تعشعش داخل الأحياء والمدن مقابل طرد المقاهي لخارجها، لو بعث أبقراط وابن سينا والرازي من جديد وشكلوا لجنة لدراسة تأثير الغازات المنبعثة منها في المواطنين وخلصوا إلى أن محطات الوقود أقل ضرراً من المقاهي لمددت رجلي وقلت لهم بكل أريحية «امش أنت وياه، ما عندكم ما عند جدتي»، فليس من المنطق القول بذلك، كما أنه ليس من المنطق نشر محطات الوقود بين المنازل وفي الشوارع الفرعية وعوادم السيارات تنفث غازاتها وتختلط على مدار الساعة روائح البنزين بالديزل برائحة كبدة الحاشي، ما لم تقم الأمانة بمخاطبة «آرامكو» والطلب منها وحتى إلزامها بإضافة نكهات للوقود، كأن يصبح على سبيل المثال «بنزين عنب فاخر» أو «بنزين تفاحتين»! [email protected] @Saud_alrayes