كشف أستاذ الأدب المشارك بجامعة الإمام نائب رئيس النادي الأدبي بالرياض الدكتور عبدالله الحيدري أن عدم ظهور بعض رواد الأدب السعودي وغياب إنتاجهم، إنما يعودان إلى عوامل نفسية فيهم تتحكم في عدم حبهم الظهور وتفضيلهم العزلة، «وإن كان من بينهم من كانت لديه قدرة أسهمت في حضوره وشهرته». ولفت الحيدري، في محاضرة ألقاها في مركز حمد الجاسر الثقافي صباح أمس (الخميس) عن أدب حامد دمنهوري شبه المجهول إلى أنه انتبه إلى أدبه أثناء دراسته سيرة حسين سرحان في رسالة جامعية، قبل أن يؤكد أن رواداً كثراً يحتاجون إلى مزيد من الدراسات المعمقة والشاملة تكشف إنتاجهم، إضافة إلى أهمية تكشيف الدوريات ولا سيما من طلاب الماجستير والدكتوراه لكشف نتاجاتهم وإبرازها. في المحاضرة أوضح الحيدري أن دمنهوري قدّم إنتاجاً مميزاً غير إنتاجه الروائي، الذي لا يمكن الحديث عن تطور الرواية السعودية وفنيتها ونضجها الفني من دون استدعاء تجربته، تمثل في الشعر والمقالة والقصص القصيرة. قبل أن يشير إلى أن جيل دمنهوري ومجايليه كأحمد محمد جمال، وعبدالعزيز الرفاعي، وحسن القرشي تفتحوا على نهضة أدبية اتسمت بالتنوع والشمول في الإنتاج الكتابي شعراً ونثراً فبدأوا الكتابة، فيما عرف بمرحلة التجريب، إذ إن عطاءهم لم يقتصر على جنس أدبي واحد، مؤكداً أن موهبة دمنهوري الكتابية المبكرة، واستجابته لنداء الصحافة، إضافة لإقامته في مصر للدراسة الجامعية، شكلت ثقافته سواء في المسار المنهجي أم الثقافي، «والأخيرة كانت وقوداً فعّالاً أسهم في تشكيل روح متوثبة وراغبة في رفع مستوى الوطن تعليمياً وثقافياً، وهو ما ظهر بشكل مباشر في مقالاته، فور عودته من الابتعاث، فقدم قصائد عدة، قبل أن ينصرف عنها بسبب ميله السردي بعدما لقيته روايته «ثمن التضحية» من ترحيب من الأوساط الأدبية والنقدية». وتابع الحيدري أن دمنهوري أيضاً أخلص للمقالة ومارس كتابتها حتى وفاته، «فنشر مقالات مبكرة كان سياقها تراثي، قبل أن تبدأ شخصيته الكتابية تتشكل بطرح أفكار جديدة بناها من خلال مشاهداته وعمله التربوي، مثلت مرحلة «التجريب والتثقيف» في جيله والتي اتسمت بمحاولة إثبات الوجود وممارسة الكتابة والحرص على التنويع في الموضوعات وكتابة الشعر»، مشيراً إلى أن دمنهوري توقف فيها أربع سنوات عن الكتابة الصحافية لانشغاله في العمل الرسمي مديراً ووكيلاً للثقافة بوزارة المعارف (سابقاً)، قبل أن يعود إلى الكتابة الروائية وبعدها لسلسلة مقالات قدم فيها نماذج من تجارب الآخرين، ملحاً على أهمية الاستفادة من المنجزات الناجحة على مستوى العالم أكان في الصناعة والتقدم، أم في السلوك، كالاهتمام بالوقت وتطبيق النظام واحترامه، «وهي ما يمكن أن نطلق عليه مرحلة «التنوير» فكان طرح دمنهوري فيها على مستوى الرواية والكتابة المقالية ينشد تغييراً وإصلاحاً مجتمعياً، وجاءت أفكاره مشبعة بحماسة وطنية للرقي بالوطن والمواطنين»، عازياً غزارة إنتاجه في هذه المرحلة إلى النضج الثقافي والفكري، وارتباطه العملي بالصحافة مشرفاً على مجلة المعرفة، وعضواً بمؤسسة اليمامة الصحافية، وإلحاح الصحف والمجلات عليه للكتابة، إضافة إلى النجاح الكبير الذي أحدثته روايته «ثمن التضحية»، قبل أن يعرج على إنتاجه القصصي وإن كان قليلاً جداً. في المداخلات أكد سعد البواردي أن دمنهوري يملك شخصية مميزة فيها ثقافة العلم وثقافة الإدارة وثقافة الثقافة. وقال: «منذ أن عرفته وكيلاً وموجهاً ومديراً، كان هو نفسه، فأعطى فكره وتجاربه، وكان حليماً متواضعاً، واستطاع أن يملأ مقعده في أعماله التربوية وفي وكالته للثقافة للصورة التي يجب أن يكون عليها المسؤول». من جانبه، أشار الدكتور محمد الربيع إلى أن احتفالات المئوية التي أقيمت عام 1419ه بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس المملكة «كانت محطة مهمة أعادت الضوء للدراسات عن تاريخنا المغيب وإعادة البحث في الشخصيات المبرزة بعد أن عشنا فترة من الزمن متنكرين لهم»، مشدداً على أهمية البحث عنهم «في بطون الصحف المحلية والعربية والدوريات، وما يحتاج إليه ذلك من فهرسة يمكن أن تبنى عليها دراسات مهمة».