تقاسم الدكتور عبدالله عبدالرحمن الحيدري أستاذ الأدب المشارك بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والباحثة موضي عبدالله الخلف الحديث عن تجربة الأديب الراحل حامد حسين دمنهوري في الندوة، التي أقيمت ضمن فعاليات تكريم الأديب الرائد حامد حسين دمنهوري رحمه الله، التي أقامها نادي مكة الثقافي ليلة أمس الأول بعنوان (حامد دمنهوري.. الأديب الروائي.. المربي المسؤول). حيث قدم الحيدري ورقته بعنوان (أدب حامد دمنهوري شبه المجهول)، مبينًا أنه حاول تجنب الحديث عن سيرة دمنهوري الذاتية وتفاصيل حياته لالتقاط زوايا شبه مجهولة في أدبه للحديث عنه، ماضيًًا إلى القول: بدءًا أذكر بأن شهرة حامد دمنهوري قائمة على الجانب الروائي لديه، وبه دخل تاريخ الأدب في المملكة العربية السعودية بقوة، بحيث لا يمكن الحديث عن تطور الرواية السعودية وفنيتها وانتقالها من طور النشأة إلى النضج الفني دون استدعاء تجربته في (ثمن التضحية) و(مرت الأيام). ولقد سررت أيما سرور عندما علمت بقيام نادي مكة الأدبي الثقافي في سياق تكريم حامد دمنهوري في هذه الليلة بإعادة طباعة روايتيه وهما من الأعمال التي طبعت منذ زمن طويل ونفت ولا يمكن الحصول عليها إلا بطريق التصوير، ولذلك أبدى سعادتي الغامرة وترحيبي بهذه الخطوة المدروسة من النادي لتنفيذ فعالية تليق بمكانة حامد دمنهوري الأدبية السابقة. وأشار الحيدري إلى أن ورقته تحاول أن تميط اللثام عن أدب دمنهوري شبه المجهول إنتاجه: الشعري والمقالي وفي القصة القصيرة، مؤكدًا أن الفترة التي ولد فيها دمنهور عام 1430ه مع رفاقه من الأدباء الذين ولدوا في هذه السنة أو قبلها أو بعدها بقليل كأحمد محمد جمال وعبدالعزيز الرفاعي وحسن القرشي وغيرهم هي ظهور نهضة أدبية تتسم بالشمول في الإنتاج شعرًا ونثرًا مع بدء عدد من المطبوعات في الصدور والانتشار كأم القرى وصوت الحجاز والمنهل، فوجد ذلك الجيل السبل أمامه معبدة من خلال الجيل السابق له كمحمد سرور صبان وأحمد إبراهيم الغزاوي ومحمد حسن عواد وعبدالقدوس الأنصاري وحمد الجاسر، ووجدوا التشجيع ومنافذ النشر مشرعة فبدأوا الكتابة في وقت مبكر مع أنهم واجهوا مشكلة توقف الصحف خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا التوقف ربما أسهم في تكوين ثقافتهم من خلال القراءة المكثفة والاطلاع ومتابعة أحداث الحرب وكل هذه روافد لا يستهان بها. وعرج الحيدري إلى الحديث عن السمات البارزة في أدب جيل حامد دمنهوري، مشيرًا إلى أن تميزها بالتنوع والشمول والإنتاج الكتابي، وهي مرحلة يمكن أن نطلق عليها مرحلة التجريب والمغامرة، لأن عددًا منهم لم يتضح له المجال الأنسب الذي يمكن من خلاله أن يبدع ولذلك لم يقتصر عطاؤه الكتابي على جنس أدبي واحد؛ وإنما حاول أن يطرق معظم الأجناس الأدبية ومن هنا لم يكن بالغريب أن يجرب حامد دمنهوري قلمه في أكثر من مجال متأثرًا بجيله ومستجيبًا لنداء الصحافة التي تطلب مدها بأي مادة تصلح للنشر، ويمضي الحيدري في حديثه مضيفًا: من أقدم النصوص التي بين أيدينا قصيدته (فجر) التي ألقاها أمام الملك فيصل رحمه الله عندما كان نائبا عن والده في الحجاز، وذلك في الحفل الذي أقيم بجرول في 9/2/1366ه ومطلعها: لاح الصباح وفي يديه ضياؤه وعلى أزاهره طغت أشذاؤه إلى أن يقول: هذا الحجاز وفي جوانحه الهوى يهفو إليك وفي يديك لواؤه ودمنهور شاعر مقل جدًّا وكل ما استطعنا العثور عليه من شعره 9 قصائد فقط وتواريخ نظمها قديمة تمثل بواكير أدبه وسبق نشر معظمها في الصحف المحلية، ويبدو أن دمنهوري انصرف عن الشعر في وقت مبكر وربما كان من أسباب انصرافه عن الشعر ميله إلى السرد وبخاصة أن روايته الأولى (ثمن التضحية) لقيت ترحيبًا كبيرًا في الأوساط الأدبية والنقدية. ويضف الحديري: نلاحظ كذلك أن دمنهوري أخلص لفن المقالة؛ حيث مارس كتابتها منذ عام 1366ه وحتى العام الذي توفي فيه حيث بدأ مقالاته ب (نشأة شعر الكونيات في الأدب العربي) والتي كان فيها أسيرًا لقراءته في كتب التراث، أما مقالتا (قال الأولون) و(التأليف المدرسي المفقود) فقد بدت فيهما شخصيته الكتابية واضحة إذ طرح أفكارًا جديدة بناها من خلال مشاهداته وعمله التربوي وظهرت أصالته فيهما. وظهر أن الصدى الذي أحدثته المقالتان شجعه على تنويع منافذ النشر فانتقل بقلمه إلى مجلة المنهل نشر فيها بحثًا مكونًا من 3 حلقات عن الأمثال العامية وعلاقتها باللغة العربية ثم عاد إلى التراث مرة أخرى بكتابة عن المقالات في المنهل ومنها: الشاعر الأمير، والعرجي شاعر الغزل ولم ينس الهم التربوي فكتب بعض المقالات في البلاد السعودية ومنها: معلم المدرسة المفترى عليه ورسالة المعلم في عصر الذرة. وأرجع الحيدري السبب في غزارة انتاج دمنهوري في هذه المرحلة إلى النضج الثقافي والفكري لدمنهوري وارتباطه العملي بالصحافة وإلحاح الصحف عليه للكتابة والنجاح الكبير الذي أحدثته روايته (ثمن التضحية). مبينًا أنه إضافة إلى الشعر والمقالة كتب دمنهوري القصة القصيرة غير إن انتاجه في هذا الفن قليل جدا وأبرز نص له قصته (كل شيء هادئ). حياته وأدبه بعد ذلك تناولت الباحثة موضي عبدالله الخلف في ورقتها المجتزأة من رسالتها في الماجستير المعنونة ب (حامد دمنهوري: حياته وأدبه) متطرقة إلى جانب أدبه المعلوم وهو الرواية. بينت في ورقتها عناصر التميز لروايتي (ثمن التضحية ) و(ومرت الأيام) موضوعيا وفنيا بالاتكاء على خصوصية البيئة المحلية وإلى أسلوب الراوي وتنوعه لأساليب السرد والحوار. مشيرة إلى أن دمنهوري فضل كتابة رواية (ثمن التضحية)، لأنه كان يرى أنها أكثر ملاءمة للتعبير عن التحولات السريعة التي شهدها مجتمعه فعرف ملامح التغير والتبدل، التي بدأت تسري في المجتمع المكي فنجح في التعبير عن الرغبات النفسية الكامنة في وجدان أبناء الحجاز في الستينيات والسبعينيات الماضية بطريقة فنية اختلفت عما كان سائدا حينذاك، وأول ما تناول دمنهوري عناية فائقة بالإطارين الزماني والمكاني واستعمل تقنيات جديدة للرواية لم تكن معروفة عن كتاب الروايات في تلك الفترة، فجعل الأحداث في زمن التضحية تدور حول قطبين رئيسيين هما مكةالمكرمة والقاهرة وشغلت البيئة النفسية حيزا كبيرا من مساحة هذه الرواية. وأخذت الخلف في سرد إبداعات حامد دمنهوري من خلال (رواية التضحية) وبناءاتها المتكاملة من تحديد المكان والزمان والشخصيات والبعد النفسي واعتماد المشهد وتناول أدوات الخطاب والصراع وتنوع الحوار والسرد. كما تطرقت إلى ما ميز رواية دمنهوري (ومرت الأيام)، -بعد أن وصفها الدكتور منصور الحازمي أنها انتكاسة جعل بعض النقاد يتراجعون عن تحليلها ودراستها- في رأيها الشخصي أنها أفضل بكثير من رواية (ثمن التضحية) فقد كان أكثر جرأة في كتابة هذا الفن الروائي بعد أن تعمق في شخصية البطل وحاول أن يأتي بجديد في الفن فصعب ذلك على الباحثين والنقاد حينذاك، معرجة على تحليلها والتعريف بقيمتها الفنية.