نقل معلقون إسرائيليون بارزون عن أوساط قريبة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أن الأخير تعمد تصعيد المواجهة مع الإدارة الأميركية في قضية البناء في القدسالمحتلة لعلمه أن هذه القضية تحظى بإجماع إسرائيلي وتأييد غالبية يهود الولاياتالمتحدة، خلافاً للبناء في سائر المستوطنات في الضفة الغربيةالمحتلة والذي تعارضه أوساط إسرائيلية واسعة والمنظمات اليهودية الأميركية. وأفادت تقارير صحافية أمس بأن إسرائيل هي التي بادرت إلى الكشف عن الطلب الأميركي من سفيرها في واشنطن مايكل اورن وقف مشروع البناء في حي الشيخ جراح الفلسطيني في القدسالمحتلة. وكتبت «يديعوت أحرونوت» أن توجّه موظفي وزارة الخارجية للسفير الإسرائيلي في هذا الموضوع هو واحد من توجهات كثيرة من هذا القبيل تتم في شكل روتيني ينقل بعدها السفير تقريراً عنها إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية التي تقوم بأرشفته وإلحاقه بملف الاستيطان الموضوع على الرف، لكن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية قرر هذه المرة أن يكون الرد على الطلب الأميركي علنياً بهدف حرف المواجهة القائمة بين تل أبيب وواشنطن في شأن طلب الأخيرة وقف البناء في المستوطنات من هذه القضية إلى ملعب آخر مريح أكثر، «قضية القدس» التي يحظى البناء فيها بإجماع إسرائيلي وبتأييد غالبية يهود الولاياتالمتحدة. وكتب المراسل السياسي في الصحيفة شمعون شيفر أن إسرائيل رأت في الطلب الأميركي في شأن البناء في القدس «فرصة لنصب فخ» لإدارة الرئيس باراك اوباما من خلال افتعال ضجة ومحاولة فرملة ما يعتبره المستوى السياسي في إسرائيل «ملاحقة أميركية لحكومة نتانياهو». وبحسب مصدر كبير، فإن الأميركيين «وقعوا في الفخ إذ لم يدركوا أن البناء في القدس يعتبر لدى السواد الأعظم من الإسرائيليين أمراً مفروغاً منه، بخلاف البناء في سائر المستوطنات مثار الخلاف». ونقلت الصحيفة عن أوساط نتانياهو أنه أراد أن يرسم للأميركيين «الحدود التي يعتبر تجاوزها انتحاراً سياسياً وتنازلاً عن حقوق تاريخية في القدس». ونقلت عن قريب من رئيس الحكومة قوله إن الرئيس الأميركي «تسلق هذه المرة شجرة عالية جداً، ففي إسرائيل ثمة إجماع حول القدس». ونقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» اليمينية عن نتانياهو قوله إن اوباما تجاوز خطاً أحمر. وأبرزت وسائل الإعلام العبرية تبجح نتانياهو أمام أوساطه القريبة بأنه لن يتنازل في قضية البناء في القدس بقوله: «في ولايتي السابقة لم أتنازل عن بناء 20 ألف وحدة سكنية في حي هار حوما (جبل أبو غنيم) في القدس وواجهت العالم كله ... فهل أتنازل عن بناء 20 وحدة سكنية فقط». وترى أوساط رئيس الحكومة أن الإدارة الأميركية «فقدت في الأسابيع الأخيرة الزخم الذي رافقها» عندما حاولت حل مشاكل العالم والقضايا الأخرى الشائكة في الشرق الأوسط. واليوم يتبين للرئيس الأميركي أن خطابه في القاهرة «لم يقد إلى خلق واقع مغاير». وتابعت: «كما يبدو فإن أياً من مستشاري اوباما لم يبلغه أن الواقع الناشئ على الأرض منذ (احتلال القدس) عام 1967 يقلل جداً إمكان التوصل إلى تقسيم القدس ويستوجب تفكيراً مغايراً للحل في المستقبل». لكن كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع حذر نتانياهو من نتائج صدامه مع الإدارة الأميركية، وكتب أن مبادرته لحرف النقاش من الاستيطان عموماً إلى البناء في القدس «كان ممكناً أن تكون لامعة لو أنها لم تكن شفافة للغاية». وأضاف: «اختار نتانياهو، بين الضغوط من واشنطن والضغوط من الجناح اليميني في حزبه وائتلافه الحكومي، الحل الأسهل وهو القدس». وأضاف أنه مثلما حدث في قضية فتح النفق تحت المسجد الأقصى خلال ولاية نتانياهو الأولى (قبل 12 عاماً)، فإنه يعتقد أن «الكلمة السحرية - القدس» ستحشد وراءه ليس اليمين في إسرائيل فحسب، وإنما أيضاً تيار الوسط فيها وغالبية يهود أميركا وغالبية أعضاء الكونغرس». تراجع في مكانة اسرائيل في الرأي العام الاميركي وتساءل المعلق: «كيف يستوي هذا التصعيد الإسرائيلي ضد الولاياتالمتحدة مع المسعى الإسرائيلي الى الحصول على دعم أميركي في الملف الايراني»، في وقت تشهد مكانة إسرائيل تراجعاً في الرأي العام الأميركي تمثل في استطلاع أخير للرأي أفاد بأن 46 في المئة فقط من الأميركيين يعتقدون الآن أن إسرائيل ملتزمة السلام، وهذا رقم أقل ب 20 في المئة مما كان قبل بداية عهد اوباما. كذلك تراجعت نسبة الأميركيين الذين يرون وجوب ان تدعم الولاياتالمتحدة إسرائيل من 71 في المئة قبل عام إلى 44 في المئة اليوم، كما اعتبر أقل من نصف المستطلعين أنفسهم «أصدقاء إسرائيل» في مقابل ثلثي المستطلعين قبل عام. وخلص برنياع إلى الاستنتاج بالقول إن «نتانياهو اصدر الأمر أول من أمس بتصعيد المواجهة، لكن بعد أسبوعين - ثلاثة عندما يفزع (من حجم الأزمة) ويطلب النزول عن الشجرة، سيكتشف أن أصدقاءه في ليكود (من الرافضين أي تنازل) ينتظرونه تحتها». واتفق المعلق السياسي في «معاريف» بن كسبيت مع نظيره، ورأى أن السؤال يبقى كيف تتصرف الولاياتالمتحدة في حال «خاض نتانياهو أم المعارك» ضدها. وكتب: «ماذا سنفعل إذا تبين أن اوباما جاد في بلوغ مراده وذاهب حتى النهاية. في هذه الحال قد نكتشف أن هذه هي نهايتنا». وتابع ان هذه لعبة ليست متوازنة «فأميركا هي الدولة العظمى ونحن دولة محمية ... باستطاعة الأميركيين إغلاق الحنفية في كل لحظة ... لن تقوم لنا قائمة من دونهم. السؤال هو هل ستسمح أميركا لنفسها بإثارة أزمة حقيقية في علاقاتها مع إسرائيل ما من شأنه المس بأمن إسرائيل، وهل هذا يساوي المصالحة مع العالم الإسلامي، وهل يبقى اوباما بعد أزمة كهذه؟». من جهتها، اعتبرت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها أن مشروع البناء في القدس يطرح تحت علامة سؤال عن جدية نتانياهو في قبوله حل الدولتين، فضلاً عن أن دعمه البناء رغم الاحتجاجات الأميركية والبريطانية «يعرض علاقات إسرائيل الخارجية الحيوية إلى الخطر». وتابعت: «لا يمكن توقع أن تتجه دول عربية نحو التطبيع في حين تحرجها إسرائيل بمبادرات بناء في القدسالشرقية». وفندت الصحيفة مزاعم رئيس الحكومة أن بإمكان فلسطينيي القدس شراء بيوت لهم في القدسالغربية، وأشارت إلى حقيقة أنه منذ احتلال القدسالشرقية صادرت إسرائيل نحو 35 في المئة من أراضيها من أجل بناء 50 ألف وحدة سكنية في أحياء معدة لليهود فقط، في مقابل بناء 600 وحدة سكنية فقط في الأحياء الفلسطينية. خفض الضمانات المصرفية الاميركية؟ في غضون ذلك (ا ف ب)، ذكرت صحيفة «كالكاليست» الاقتصادية الاسرائيلية التي تملكها مجموعة «يديعوت احرونوت» امس ان الولاياتالمتحدة يمكن ان تخفض بمقدار بليون دولار الضمانات المصرفية التي تمنحها وزارة الخزانة الاميركية لاسرائيل تعادل قيمة الاستثمارات في المستوطنات. وقالت الصحيفة ان الكونغرس خصص عام 2003 ضمانات مصرفية اميركية بقيمة تسعة بلايين دولار يمكن ان تستخدمها اسرائيل للحصول على قروض بشروط تفضيلية في اسواق المال الاميركية. وتابعت انه بقي من هذه الضمانات دفعة بقيمة 2.8 بليون دولار يفترض ان تستخدم قبل عام 2011. لكن الادارة الاميركية يمكن ان تحسم منها بليون دولار تعادل قيمة الاستثمارات الاسرائيلية العامة التي وظفت خارج «الخط الاخضر» الذي كان يشكل الحدود الاسرائيلية قبل ان تحتل اسرائيل عام 1967 الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان والقدسالشرقية. واستخدمت اسرائيل حتى الآن 4.1 بليون دولار للحصول على قروض، بينما حسمت الحكومة الاميركية 290 مليون دولار في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2003، و740 مليوناً في آذار (مارس) عام 2007 تعادل قيمة الاستثمارات خارج «الخط الاخضر». وذكرت اذاعة الجيش الاسرائيلي اخيراً ان موازنة عام 2009 تتضمن 250 مليون دولار من الاعتمادات لمستوطنات الضفة الغربية على الرغم من ضغوط اوباما من اجل تجميد الاستيطان. واضافت ان هذه الاعتمادات الموزعة على قطاعات مخصصة في شكل اساس لاستثمارات في بناء المساكن وتطوير البنى التحتية. وتابعت ان الحكومة وافقت على استثمار بقيمة 30 مليون شيكل (7.5 ملايين دولار) للوكالة اليهودية الهيئة شبه الحكومية، في مشاريع بناء تقع في الضفة خصوصاً.