«اطفالنا يموتون عطشاً. نساؤنا اخذهن مقاتلو داعش سبايا... أنجدونا». هذه آخر كلمات قالها أنور خانصوري، الإيزيدي القابع مع عائلته على سفح «جبل سنجار». انقطع الخط، وانقطع صوت آلاف المحاصرين منذ أربعة أيام في سفوح جبل أجرد يتصيّدهم الرصاص والعطش والمرض. صوت جبل سنجار ليس له صدى في المنطقة الخضراء في بغداد، حيث ما زال السياسيون العراقيون يبحثون في طريقة لإزاحة رئيس الوزراء نوري المالكي، وينتظر الوسط الشيعي تدخلاً إيرانياً مباشراً لتحقيق ذلك. قال خانصوري: «ربما يكون هذا آخر اتصال لنا مع الخارج، مساء أول من أمس سرت إشاعات غير صحيحة عن تمكن قوات البيشمركة الكردية من دخول سنجار التي احتلها مقاتلو داعش في 3 الشهر الجاري، فنزل عدد من العائلات من الجبل الذي يتحصن فيه عشرات الآلاف من اهالي سنجار، لكن مفرزة لداعش اعتقلتهم في الطريق، قتلت الرجال، وأخذت النساء سبايا». يشحن الإيزيدي هاتفه من سيارة وصلت الى سفح الجبل ويتصل مرة أخرى: «أغلقنا وادي جبل سنجار بالصخور، ونشرنا شباباً لحمايته، لكن ما نمتلكه من أسلحة لا يمكننا من مقاومة داعش لساعات، وبقاء الوضع على حاله يعني موتاً محققاً لعائلاتنا، إما عطشاً وجوعاً، وإما برصاص دولة الخلافة». يكمل خانصوري: «بعض الاتصالات من داخل سنجار، حيث لم تتمكن عائلات كثيرة من مغادرة المدينة، خصوصاً كبار السن، تفيد عن أعمال قتل جماعية تجري هناك، ونساؤنا وأطفالنا يتم اقتيادهم الى داخل الموصل». شاهد آخر هو حسين ناصر وهو طبيب متخرج من جامعة السليمانية، يكشف تفاصيل أكثر لمأساة سنجار، يقول :»انقسم السنجاريون، مع اشتداد المعارك واقترابها من المدينة الى قسمين: الأول قرر الدفاع في انتظار وصول مساعدات من قوات البيشمركة او الحكومة العراقية، وهؤلاء أرسلوا عائلاتهم الى جبل سنجار، وقاوموا عناصر داعش لساعات قبل ان ينفد عتادهم، كما ان قوات البيشمركة انسحبت ولم تستجب طلباتهم، فاضطروا الى اللحاق بعائلاتهم». يتابع ناصر :»القسم الآخر وأنا منهم قررنا المضي باتجاه منطقة ربيعة، ومنها الى الحدود السورية بمساعدة قوات شعب كردستان (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني) وأمنت هذه القوات خط سير للآلاف من النازحين باتجاه حدود محافظة دهوك العراقية». ما ينقله ناصر وخانصوري عن ظروف أهالي سنجار مفجع، والمحاصرون لم يتوقف أي منهم عن الحديث بحرقة، عن موت الأطفال وسبي النساء، وتساءلوا عن المجتمع الدولي، وإذا كان عاجزاً عن ارسال طائرات اغاثة الى جبل سنجار على نحو عاجل. من نبع يتيم ما زال يضخ الماء الشحيح يتزود السنجاريون المحاصرون في الجبل بالماء، منذ أربعة أيام، ومن مساعدات حملها متطوعون من قرى قريبة عبر طرق وعرة تمكن بعضهم من الحصول على الطعام. يقول خانصوري: «في المساء نسمع اصوات اطلاقات كثيفة قادمة من جهة مسلحي داعش فنتيقن ان النهاية قادمة فنهجر النوم، وما ان تشرق الشمس، حتى تحرقنا حرارتها، لم يبق ظل صخرة في الجبل ولا شق او نتوء لم نضع فيه اطفالنا. ومن مات منهم دفناه قريباً منا». رحلة السنجاريين الى جبلهم التاريخي المقدس لديهم ليست جديدة. قالت النائب الإيزيدية فيان دخيل في البرلمان الثلثاء، إن الطائفة تعرضت ل 72 حملة إبادة عبر التاريخ وكان الجبل ملجأها النهائي.