أظهرت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل أمس في برلين، ليونة واضحة في موضوع تأييد مطلب إقرار برامج لدعم النمو في الدول الأوروبية المتعثرة نتيجة الأزمة المالية الناتجة من تراكم العجز في موازناتها السنوية وقرار التقشف المفروض عليها. وتقدمت في البيان الحكومي الذي ألقته في البرلمان الألماني الاتحادي (بوندستاغ)، خطوة في اتجاه الرئيس الفرنسي الاشتراكي المنتخب فرانسوا هولاند للمرة الأولى بعد أيام قليلة على انتخابه، خصوصاً أنه ركّز حملته الرئاسية على إعادة النظر في معاهدة التقشف التي فرضتها مركل وحليفها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل أشهر. واعتبر مراقبون إعلان مركل إشارة إيجابية موجهة إلى هولاند قبل أيام من اللقاء الذي سيجمعهما في برلين في 15 الجاري، لتحديد المسار المشترك للدولتين اللتين تُعتبران محرك الاتحاد الأوروبي. وتجاهلت مركل خلال الأسابيع الماضية الكلام حول وضع برامح نمو أوروبية، إلا أن دعم عدد كبير من قادة الدول الأعضاء ومسؤوليها، وكذلك المفوضية الأوروبية، لنهج هولاند الداعم لتعزيز النمو، جعلها ووزير المال الألماني فولفغانغ شويبله يراجعان حساباتهما السابقة. وعلى رغم صعوبة إعادة مناقشة معاهدة التقشف التي لم تقرها بعد كل دول الاتحاد، كما يؤكد أكثر من مصدر أوروبي، وكما أكدت مركل أمس، إلا أن الحل سيكون في إقرار برنامج أو صندوق أوروبي تُخصّص له المفوضية الأوروبية أموالاً مدوّرة لصرفها على مشاريع تحرك عجلة العمل والوظائف والإصلاحات المطلوبة، كما رأى خبراء. وأشاروا إلى أن المعركة لإقرار برامج نمو انتهت عملياً، إلا أن معركة أخرى ستتبعها وتتمثل في تفسير ماهية برامج النمو وسُبل صرف الأموال. وفي هذا المجال، أكدت مركل في بيانها المخصّص لتحديد مواقف حكومتها من جدول أعمال قمتي الدول الصناعية الثماني وحلف «الناتو» المقبلين، رفضها الموافقة «على برامج نمو تستند إلى ديون جديدة»، معتبرة أن «خفض الدين العام وتعزيز النمو وفرص العمل يشكلان عمودي الاستراتيجية المطلوبة لتجاوز أزمة اليورو». وأضافت «النمو من خلال إصلاحات بنيوية أمر ذو معنى، لكن النمو المرتكز إلى دين سيعيد أوروبا إلى بداية أزمتها، ولذا علينا تفادي ذلك». ولفتت إلى أن عملية تجاوز أزمة العجز المالي في أوروبا «ستكون متعبة وستستغرق وقتاً طويلا»، مذكّرة بأن أسباب الأزمة «هي الديون المخيفة أساساً، وغياب قدرة عدد من الدول الأوروبية الأعضاء على المنافسة في الأسواق». وختمت بأن قمة الثماني هي المكان الصحيح للتداول في مسألة خفض الديون. رد معارض وردّ رئيس الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي الديموقراطي المعارض فرانك فالتر شتاينماير على مركل فحمّلها مسؤولية «الشلل السياسي المسيطر على حكومتها» بفعل المماحكات الداخلية بين ممثلي الأحزاب الثلاثة المشاركة، و «النقص في الشجاعة لإقرار حوافز للنمو». وانتقد بشدة الجمود في مسيرة التحول إلى الطاقات المتجدّدة وتراجع الحكومة عن فرض ضريبة على التحويلات المالية الكبيرة. وأعلن الحزب الاشتراكي معارضته الاستعجال في إقرار معاهدة التقشف الأوروبية في 25 الجاري، كما تريد الحكومة، مضيفاً أن المعاهدة «تتضمن نقاطاً غير واضحة وتحتاج إلى تدقيق»، خصوصاً في ما يتعلق بوضع كابح للدين أو سقف أعلى، وقوننة ذلك في دساتير الدول الأعضاء. وتحتاج الحكومة إلى ثلثي أصوات نواب البرلمان ومجلس اتحاد الولايات لإقرار المعاهدة، ما يتطلب تصويت النواب الاشتراكيين على الأقل إلى جانبه. وبغض النظر عن احتجاجات أحزاب الائتلاف الحاكم واتهامها المعارضة ب «العرقلة السياسية»، أكدت أوساط البرلمان أن التصويت على المعاهدة سيتم في أواسط حزيران (يونيو) المقبل.