أجمع مراقبون سياسيون في برلين أمس، على بدء العد العكسي للنهج التقشفي الذي فرضته المستشارة الألمانية أنغيلا مركل على أوروبا بيد من حديد، بدعم من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الخارج من قصر الأليزيه. ورأى هؤلاء أن مركل ومَن لا يزال يؤيدها «لن يمكنهم وقف العدّ العكسي، قبل أن توافق على إجراء مساومة مقبولة من الطرف الآخر الرافض لأحادية التقشف». ولم يمض يوم واحد على الانتصار الكبير الذي حققه مرشح الاشتراكيين الفرنسيين فرانسوا هولاند، الذي وعد بالعمل على إعادة النظر في معاهدة التقشف التي فرضت على الأعضاء ال 27 في الاتحاد الأوروبي، حتى سارع قادة أوروبيون كثر أيدوا المعاهدة على مضض، ليعلنوا ترحيبهم بالنهج الجديد للرئيس المنتخب. كما أعادت نتائج الانتخابات النيابية في اليونان، وعدم القدرة على تشكيل حكومة فيها تؤيد خطة التقشف الصارمة التي فرضت عليها بضغط من الثنائي «مركوزي»، أزمة اليورو إلى الأسواق المالية مجدداً وزادت في اضطراباتها. وافتُتحت بورصة فرانكفورت صباح أمس متراجعة نحو واحد في المئة تقريباً عن إغلاق أول من أمس الذي كان شهد بعض التماسك إثر إعلان مركل وهولاند لقاءهما قريباً. صحيح أن مركل جددت أول من أمس تمسكها بمعاهدة التقشف، مؤكدة «عجز أوروبا عن السير إلى الأمام في حال كان عليها إعادة النظر في كل اتفاق يقرّ بعد انتخابات نيابية أو رئاسية»، إلا أنها دفعت بالناطق الرسمي لحكومتها شتيفن زايبرت ليؤكد رداً على أسئلة الصحافيين، أن حكومته «تأخذ في الاعتبار التغير الحاصل في فرنسا، كما أنها مستعدة للوصول إلى مساومة مع الرئيس الفرنسي الجديد». واكتفت مركل بالقول إنها تحادثت مع هولاند الذي سيزور برلين قريباً، ملاحظة أن العاصمة الألمانية «ستستقبله بأياد مفتوحة»، علماً أنها رفضت استقباله حين كان مرشحاً ودعمت ساركوزي علناً. ولم تستبعد مصادر مطلعة أن يزور الرئيس الفرنسي الجديد برلين في اليوم الذي سيقسم فيه اليمين الدستورية ويتسلّم مهماته الرسمية في 15 الجاري. وكتبت صحيفة «فايننشال تايمز دويتشلاند» الاقتصادية الألمانية أمس، أن مركل «تقف الآن وحيدة أكثر فأكثر مع نهج التقشف الصارم الذي فرضته بعناد». ولفتت إلى أن قادة أوروبيين بدأوا دكّ المعاهدة التي بناها الثنائي «ماركوزي». ونقلت الصحيفة عن رئيس الحكومة الإيطالية ماريو بونتي، مطالبته بإحداث تغيير في النهج المالي لأوروبا، بعد نتائج انتخابات اليونان وفرنسا، داعياً إلى إنشاء «اتحاد النمو». ورأى بونتي الذي عوقبت حكومته بدورها نسبياًً في الانتخابات البلدية أول من أمس، أن «إعادة النظر في السياسة الأوروبية المتبعة باتت ضرورية». وحققت الأحزاب والتنظيمات المعادية لنهج التقشف في إيطاليا المنضوية في «حركة النجوم الخمس» نتائج جيدة. وأعرب رئيس حكومة بلجيكا إيليو دي روبو «عن فرحته» في التعاون مع هولاند وقادة آخرين في أوروبا، «من أجل وضع خطة لضمان نمو أكبر وفرص عمل جديدة». ووصف وزير مال بولندا جاسك روستوفسكي فوز هولاند ب «النبأ الجيد في حال سيقود انتخابه منطقة اليورو إلى التركيز على النمو». وأشارت الصحيفة الاقتصادية الألمانية، إلى أن بروكسيل تنتظر أن يؤدي فوز هولاند إلى إعادة طرح موضوع النمو في شكل أقوى. ونقلت عن رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو تأكيده، أن دعم النمو «مسألة مشتركة بيننا»، لافتاً إلى أنه يشارك الفرنسيين وجهة نظرهم بأن أوروبا «تحتاج إلى مزيد من برامج النمو والاستثمار في البنية التحتية، إضافة الى التزام نهج ضبط النفقات الحكومية». ودعت الصحيفة المستشارة مركل، إلى أخذ العبر من فوز المتطرفين من اليسار واليمين في انتخابات اليونان البرلمانية، الرافضين لخطة التقشف الصارمة المفروضة على بلدهم، والإسراع في إقرار برامج لدعم النمو وتأمين فرص عمل جديدة لتشجيع المعتدلين من الأحزاب الفائزة على المشاركة في حكومة إنقاذ وطنية. ورأت أن على مركل ومؤيدي وجهة نظرها، الالتفات الآن إلى مصلحة أوروبا، لأن وصول المتطرفين إلى الحكم وافلاس اليونان مالياً سينهي وحدة اليورو ويجلب أشد العواقب إلى القارة. وفي بروكسيل، نقلت وكالة «فرانس برس»، عن رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي، أعلانه «تنظيم اجتماع استثنائي للقادة الأوروبيين في 23 الجاري، للبحث في سبل إعادة تنشيط النمو. وأوضح المسؤول الأوروبي على موقع تويتر، أن «الأربعاء سيكون موعد عشاء غير رسمي لقادة الدول والحكومات» في الاتحاد الأوروبي.