أثار الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساكوزي والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل، آراء متباينة حول قدرته على إنقاذ منطقة اليورو من أزمتها. لكن أجمع المعلقون في الوسطين السياسي والإعلامي على أن مضمونه جاء اكثر تطابقاً مع طرح المستشارة، التي انتزع منها الرئيس الفرنسي تنازلات تكاد تكون رمزية. وكرس مضمون الاتفاق موقف مركل، الداعي إلى مزيد من الوحدة الأوروبية على صعيد موازنات الدول ودفعها نحو تقشف إضافي، ولم يأخذ بموقف ساركوزي الداعي إلى مزيد من التضامن المالي مع الدول المحتاجة إلى ذلك. ونجحت مركل مجدداً في حمل الرئيس الفرنسي على التراجع خلال اجتماعها به على غداء عمل في قصر الأليزيه أول من أمس، يندرج في امتداد مجموعة من اللقاءات والمشاورات بين باريس وبرلين بهدف التوصل إلى مبادرة مشتركة لتحسين أداء منطقة اليورو، وبالتالي ضمان مستقبل أوروبا. ونص الاتفاق الذي سيحال على رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي، على ضرورة اعتماد تعديلات على صعيد المعاهدة الأوروبية بما يلزمها بعدم تجاوز نسبة 3 في المئة من العجز في موازناتها، ويفرض عليها عقوبات تلقائية في حال تجاوزها هذه النسبة. كما قضى بضرورة التزام دول منطقة اليورو ال 17، ما يسمى «القاعدة الذهبية» الهادفة إلى العودة التدريجية إلى التوازن على صعيد أوضاعها المالية، وبعقد اجتماعات شهرية لقادة دول منطقة اليورو للبحث في سبل تعزيز النمو طالما استمرت الأزمة. وخلا الاتفاق من أي دور للمصرف المركزي الأوروبي في مساعدة الدول التي تعاني من أزمة مديونية، وكان ساركوزي طالب به. لكن حصل في المقابل على وضع آلية الاستقرار المالي الأوروبي قيد التطبيق عام 2012 بدلاً من 2013 ، وعلى عدول مركل عن المطالبة بدور لمحكمة العدل الأوروبية والمفوضية الأوروبية لمعاقبة الدول المبذرة. وعلى رغم التراجع الذي اضطر ساركوزي إليه، شكل الاتفاق نقطة جديدة لمصلحة الزوج الفرنسي - الألماني ولدوره الطليعي في التعامل مع الأزمات الأوروبية. لكن الاتفاق، الذي سيعرض على قادة الاتحاد الأوروبي خلال القمة التي يعقدونها غداً في بروكسل يثير تساؤلات كثيرة. والتساؤل الأول والأهم، هو ما إذا كانت غالبية دول الاتحاد أي 27 دولة، ستقرّ الاتفاق، أم الدول الأعضاء ال 17 في منطقة اليورو، وحول المدة التي تقتضيها مناقشة القرار وتبنّيه والمصادقة عليه من جانب البرلمانات في الدول الأعضاء. ويتناول التساؤل الآخر كيفية تقبل الطبقة السياسية والرأي العام في الدول الأعضاء للتعديلات بعد إقرارها خصوصاً في فرنسا، حيث اشتدت وتيرة أجواء انتخابات الرئاسة المقررة في الربيع المقبل، ما جعل ساركوزي عرضة لانتقادات حادة من المعارضة اليسارية التي تتهمه بالخنوع والتنازل أمام إرادة مركل الحازمة وبتبديد سيادة فرنسا على اقتصادها لمصلحة المؤسسات الأوروبية. وفي ظل هذه الأجواء ليس واضحاً كيف سيعمل ساركوزي مثلاً على إقرار «القاعدة الذهبية»، في ضوء معارضة اليسار لها في البرلمان وفي مجلس الشيوخ حيث فقد اليمين الحاكم الغالبية التي كان يتمتع بها تقليدياً. وفي موقف من صندوق النقد الدولي حول الاتفاق الفرنسي - الألماني، أشادت مديرته العامة كريستين لاغارد، في كلمة ألقتها في معهد «يوربيان إنستيتيوت» في واشنطن نقلتها وكالة «فرانس برس»، بالاتفاق، مؤكدة أن «من المناسب للقادة الأوروبيين خصوصاً الرئيس نيكولا ساركوزي والمستشارة انغيلا مركل، أن يقررا ضرورة تحرّك الأمور فعلاً». ولاحظت أن «مع هذه البداية هناك تسوية حاسمة على الأقلّ». وعلى رغم الإشادة، شدّدت لاغارد على أن «هذا الأمر ليس كافياً بذاته ويجب عمل الكثير لتسوية الوضع، وأن تعود الثقة ليس فقط إلى الأسواق بل أيضاً إلى المستثمرين والمستهلكين». ولم تخفِ في مجال الآفاق الاقتصادية العالمية، أن الوضع «جدي جداً ومقلق جداً وخطير جداً، وفق تعبير جان كلود تريشيه (رئيس البنك الأوروبي المركزي السابق)».