يجثو في معظم بلدان العالم نصب «الجندي المجهول» تقديساً لكل الدماء المنسكبة لحماية عرش أو أرض، في يجثو في السعودية «118» «كرسي مجهول» يجلس عليها رجال يكدحون في خدمة بلادهم على طاولة تعلوها لوحة تعريفية يتصدرها كلمة «المحافظ». يعاني المحافظ من تجاهل إعلامي، على رغم أنه يغتسل يومياً بهموم الوطن والمواطن، ويعتبر قرن استشعار، ومجساً حرارياً لقراءة ارتفاع أو انخفاض درجة حرارة الشارع، كما أنه مدير تنفيذي مباشر لسياسات الدولة، وبعيداً من بروتوكولات أمنية وإدارية معوقة لعبور صوت المواطن. يوحي المشهد العام للمحافظات في السعودية بحاجتها الماسة لترقية وظيفية ترفعها إلى مستوى «إمارة» حتى يتاح لها حقن مجتمعاتها بأمصال حياة جديدة، ومميزات تنافسية مانحة لحلول خدماتية، اقتصادية، وتنموية يصعب تحقيقها في ظل وجوب عودة 118 محافظاً إلى 13 أمير منطقة يتسيدون صهوة الضوء الإعلامي والإمضاء التنموي. تحويل المحافظة إلى إمارة يعني القفز بالوطن خطوة تنموية واحدة تشبه خطوة الإنسان الأولى على سطح القمر، وتمنح التنمية تسارعاً يحقق في خمس سنوات أهداف الأمة خلال 50 عاماً قد تكون غالبيتها عجافاً، مقابل تكاثر بشري يتصاعد من أعماق وأطراف ديار يفتقد أهلها إلى خدمات تنموية وحضارية ينالها كل أجنبي يقيم في مدينة رئيسة. يحدث ذلك عندما تحوز كل محافظة على خاصتها من غرف تجارية، وكيانات تعليم، صحة، بلديات، بنوك، وبقية الإدارات الحكومية الخدماتية، هنا يصبح «الكرسي المجهول» مصدر نور تنموي، خصوصاً إذا تموضعت عليه إدارات أكاديمية مردوفة بأدمغة تنتمي إلى تراب المحافظة ذاته، وبعيداً من الفلسفة الإدارية العربية المشهورة «كُل فطير وطير». يتحمل حالياً أصحاب «الكراسي المجهولة» تهمة إبطاء حركة التنمية، وربما قتلها، وقد يكون مبرر بحجم «ما باليد حيلة» مقبولاً إذا أدركنا أن طموحاتهم تمر بعنق زجاجة اسمها «الإمارة»، في يكون مبرر بحجم «الدنيا زحمة» مقبولاً من الإمارة إذا أدركنا أن معظمها يدير جغرافيا، وتعداد بشري أكبر بكثير من عشرات الدول الحائزة على كراسٍ تحت قبة منظمة الأممالمتحدة. تمتاز المحافظة الواحدة - في معظم الحالات - بوحدة جغرافية، قاعدة بشرية متماثلة، إشكاليات متشابهة، مفاتيح حلول إحادية ذات قدرة فاعلة وواسعة، ما يسهل على الدارسين والباحثين تحديد منبع المآزق، واختيار علاج ناجع، بعيداً من تقرير مصير يأتي من جمجمة ذات نهج أبوي، يحتاج إلى منهج علمي يعوض عن خطأ تقرير مصير أرض وفق قناعات واختيارات رجل لا يعرف ترابها من دون ناسها إلا ضمن موكب رسمي يسيطر على الطرقات بسيارات سوداء، وعلى مسارات الحياة بأقلام ذهبية. يأتي مبدأ ترقية المحافظات إلى إمارات بفرص تطبيقية لتجريب جيل جديد من قيادات الدولة، فالاختيار بين 118 موظفاً عالياً أفضل بكثير من خيار مسجون بالرقم 13، إضافة إلى كونه رقماً يتجنبه الناس عالمياً لاقترانه بحال تشاؤم، كذلك حتى أجهزة الكومبيوتر والجوالات تركض بنا بشكل يومي إلى شاشة مكتوب عليها «يجب الترقية»، لذلك من المحزن جداً تأخر ترقية وطن. [email protected] @jeddah9000