يمهد اتساع انتقادات وزراء في حكومة بنيامين نتانياهو على أدائه خلال الحرب المتواصلة على قطاع غزة، وارتفاع عدد الجنود القتلى إلى 55 (حتى صباح أمس)، إلى اندلاع «حرب ثانية» داخل إسرائيل، بعد انتهاء الحرب على القطاع، يعد لها اليمين المتشدد والشارع الإسرائيلي بغالبيته، ضد نتانياهو يشارك فيها إعلاميون نافذون الذين لم يستبعد بعضهم أن تقوده إلى محاسبة قوية أمام لجنة تحقيق رسمية في ما يحلو للإسرائيليين وصفه «قصور» أي البحث في أسباب تقصير الجيش في تحقيق «انتصار عسكري حاسم على حركة حماس». وكان الجيش أول من انتبه إلى احتمال مساءلة نتانياهو حيال مفاجأة الإسرائيليين من عدد الأنفاق تحت غزة، خصوصاً العشرات منها التي تطل على المستوطنات المحيطة بالقطاع، والتي تم حتى أمس تنفيذ خمس عمليات منها قتلت أكثر من عشرة جنود، وعليه، سارع قادته إلى تبرئة ساحة الجيش من المسؤولية عبر التسريب لوسائل الإعلام بأن شعبته الاستخبارية قدمت إلى الحكومة قبل عام تقريراً تفصيلياً عن الأنفاق، وأن نتانياهو اطّلع عليها شخصياً، «وهو صاحب القرار بإصدار التعليمات التي يراها مناسبة لمعالجة هذه المسألة». وأشار مراقبون إلى أن توجيه وزراء بارزين انتقادات علنية لنتانياهو، فيما الحرب ما زالت دائرة، على «تأتأته» في اتخاذ قرار حاسم بتوسيع العملية العسكرية، يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ حروب إسرائيل. ولم تعد الانتقادات تصدر فقط عن زعيمي الحزبين الأكثر تطرفاً في الحكومة، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا) ووزير الاقتصاد نفتالي بينيت («البيت اليهودي»)، إنما أطلقَ مثلها وزراء آخرون من الحزبين وآخرون من داخل «ليكود» الذي يتزعمه نتانياهو، مثل جدعون ساعر وسيلفان شالوم وليمور ليفنات ويسرائيل كاتس، «حتى بدا، يا للعجب، أن نتانياهو و(وزير الدفاع موشيه) يعالون يقودان الجناح الحمائمي في الحكومة»، كما كتبت معلقة الشؤون الحزبية في «يديعوت أحرونوت» سيما كدمون، مضيفة أن الانتقادات الموجهة تتمحور في «أن الجيش، وبعد ثلاثة أسابيع من بدء عمليته، لم يوجه ضربة قوية بما فيه الكفاية، وسيخرج من المعركة بلا إنجازات». وكتب كبير المعلقين في الصحيفة ناحوم برنياع أن أياً من صناع القرار في الدولة العبرية أو الجمهور الإسرائيلي، لم يتوقع أن يكون عدد الجنود القتلى بعد عشرة أيام من الحرب البرية 55. وأضاف أنه بعد عمليتي يوم الاثنين اللتين أودتا بحياة عشرة جنود، «ساد الجميع شعور عاطفي بوجوب اكتساح القطاع جواً وبحراً وبراً، وتحويل مخيم جباليا إلى أنقاض، وقيام الجيش بسحب قادة حماس من الاستحكامات تحت الأرض ليأتي بمدرعاته ويسوّي مخيم جباليا بالأرض، لكن القرارات لا تُتخذ بالعاطفة». وأضاف أن المشكلة التي واجهتها إسرائيل منذ بدء العملية تكمن في أنها انجرّت وراء «حماس»، وأن الأخيرة هي التي أملت حجم المواجهة ومدتها «فيما لم تجد قواتنا الخطوة أو المبادرة أو الاختراع الذي يكسر هذا الإملاء». وتابع أن نتانياهو يفكر، قبل اتخاذ أي قرار، بصورته ووضعه في اليوم التالي لوقف الحرب، وما الذي يعرّض أكثر مكانته للخطر: مواصلة الحرب أو وقفها، «فإذا واصلها سيواجه ارتفاع عدد القتلى من الجنود، وهو يذكر جيداً ماذا حصل لرئيس الحكومة السابق مناحيم بيغين في حينه (اضطر للاستقالة مع ارتفاع عدد القتلى الجنود في الحرب على لبنان عام 1982)، وإذا أوقفها فسيضطر لمواجهة خيبة الأمل والانتقادات من الداخل... وكما يقول بعض وزرائه، فإن حياته لن تكون سهلة». ورأى المعلق السياسي شمعون شيفر أن نتانياهو ويعالون ورئيس هيئة أركان الجيش بيني غانتس يريدون وقف الحرب، لكن شرط إيجاد المعادلة التي تتيح لهم الحديث عن ضرب الأنفاق بشكل جارف وتلقي حماس أقسى الضربات». وأضاف أن الثلاثي يدرك جيداً أن مطلب نزع السلاح عن القطاع لن يتحقق. إلى ذلك، توقع شيفر أن المعركة الحالية تشرف على نهايتها بفعل الضغط الأميركي وافتقاد إسرائيل إلى شرعية دولية لمواصلتها، مضيفاً أن وقف الحرب الآن سيحدث هزة أرضية سياسية داخل إسرائيل، «وثمة توافق في الرأي في الساحة الحزبية بأن ما كان لن يكون في كل ما يتعلق بتشكيلة الحكومة وبمن يقف على رأسها». ولفت يوسي فرطر في «هآرتس» إلى أن أول من أمس كان أول يوم وجه فيه سياسيون بارزون ورؤساء بلدات الجنوب ووسائل إعلام انتقادات شديدة لنتانياهو على ميله لوقف النار قبل ساعات من العمليتين الأخيرتين اللتين قتلتا عشرة جنود، مشيراً هو أيضاً إلى أنه «في حال قرر نتانياهو وقف الحرب من خلال اتفاق وقف للنار، فإن مثل هذا الاتفاق «لن يكون لطيفاً لإسرائيل، وستعتبره حماس انتصاراً لها».