التأمت الحكومة الأمنية المصغرة في إسرائيل أمس في جلسة وصفت ب»الحاسمة والمصيرية» للنظر في الاقتراح الذي قدمه وزير الخارجية الأميركي جون كيري لوقف النار وإعلان موقف منه، لكن ليس قبل سماع موقف «حماس»، وسط تهديد بتوسيع رقعة التوغل البري في حال لم تعلن «حماس» موافقتها، فيما رفع الجيش والشرطة درجة التأهب في الضفة الغربيةالمحتلة تحسباً لاندلاع «انتفاضة ثالثة». ونقلت وسائل الإعلام العبرية عن أوساط سياسية رفيعة المستوى قولها إن بنود اقتراح كيري «مقبولة على إسرائيل»، خصوصاً البند القاضي بألا ينسحب الجيش الإسرائيلي من غزة خلال فترة وقف النار، وأن تتاح له مواصلة ضرب شبكة الأنفاق، لكن الأوساط ذاتها استبعدت موافقة «حماس» على هذا البند. بقاء الجيش في غزة خلال الهدنة ويقضي الاقتراح الذي عرض كيري بنوده على رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو خلال لقائهما في تل أبيب قبل يومين، بوقف النار لمدة أسبوع ابتداء من الأحد، «على ألا تغادر خلاله قوات الجيش القطاع بشكل كامل، بل تواصل نشاطها ضد الأنفاق». ويضيف أنه خلال هذا الأسبوع تُطلق مفاوضات بين إسرائيل و»حماس» بوساطة مصرية وبمشاركة السلطة الفلسطينية للتوصل إلى ترتيبات دائمة وأكثر استقراراً. كما يتضمن الاقتراح بنداً يقضي بأن تمنح الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ضمانات للجانبين بأن تشمل المفاوضات على الترتيبات الدائمة قضايا تهم كلاً منهما، مثل نزع الصواريخ عن القطاع وتدمير الأنفاق كما تطالب إسرائيل، ورفع الحصار وترميم القطاع كما تطالب «حماس». تخبط الوزراء وحسابات الشارع وطبقاً للتقارير الصحافية، فإن الحكومة الأمنية ما زالت تتخبط في اتخاذ القرار «الصائب»، فمن جهة يميل نتانياهو ووزير الدفاع موشيه يعالون وثلاثة وزراء آخرون إلى التوصل لوقف النار، ومن جهة أخرى يطالب ثلاثة من وزراء اليمين المتطرف بتصعيد الحرب بداعي أنها لم تحقق الحسم العسكري المرجو. وأشار معلقون إلى أن نتانياهو بات يدرك أن «عامل الزمن بدأ يعمل ضد إسرائيل» مع اقتراب عيد الفطر وانعقاد مجلس الأمن الاثنين، مع احتمال إصدار قرار بفرض وقف النار، ونفاد «الاعتماد» الممنوح لإسرائيل من الولاياتالمتحدة وأوروبا. لكن من جهة أخرى، يأخذ نتانياهو في حساباته موقف الشارع الإسرائيلي المؤيد بغالبيته مواصلة الحرب، وهو الموقف ذاته لوزراء ونواب حزبه «ليكود». وكتب المعلق في الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس» يوسي فرطر أن وزراء في «ليكود» أوضحوا لنتانياهو أنه في حال أوقف النار، فإن نيراناً ثقيلة ستفتح عليه من البيت. وزاد أن نواب «ليكود» يرون أن غالبية الإسرائيليين راغبة في مواصلة الحرب و»توجيه ضربات مميتة لحماس»، وأنها تريد حسماً عسكرياً واضحاً «لا تعادل ولا حتى تعادل مشرّفاً ... ولا انتصاراً بالنقاط»، وأنه بعد مقتل 32 جندياً، وإغلاق أجواء إسرائيل أمام الطيران، وآلاف الصواريخ التي بلغت حتى ضواحي حيفا (شمالاً)، وانهيار السياحة والمزاج العام السيء، فإن «إنهاء الحرب الآن، هكذا عبثاً، ليس هو الخيار أبداً». واقتبس المعلق من وزراء ونواب أقوالاً اعتبرها تحذيراً واضحاً لنتانياهو من وقف سابق لأوانه للنار، وقول أحدهم أن وقف النار سيكون «هزيمة مجلجلة»، وآخر قال بصريح العبارة: «في حال أنهى نتانياهو (الحرب) الآن، فسينتهي». وأشار ثالث إلى أن كل عيون الشرق الأوسط شاخصة نحو إسرائيل، وتترقب ببالغ الاهتمام كيف ستتصرف، و»أي رفّ عين أو إبداء ضعف أو إرهاق الآن، سينزل علينا ويلات أكبر في المستقبل». وتابع: «عندما تنتهي هذه الحرب ستبدأ الحرب الثانية»، سيواجه خلالها نتانياهو تحديات وأسئلة كثيرة على الساحتين الحزبية والشعبية، في مقدمها السؤال كيف وافق قبل أسبوعين على وقف النار قبل إطلاق العملية البرية وقبل معالجة «الأنفاق التفجيرية الرهيبة». وأضاف أن مسألة الأنفاق ستكون في صلب السجال العام، وأن وزراء في الحكومة الأمنية المصغرة تذمروا هذا الأسبوع لأنهم لم يسمعوا خلال جلسات الحكومة عن هذه الأنفاق، وكأنه تم التستر على الموضوع. التجمعات اليهودية عند غزة خالية من جهته، اعتبر الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات «شاباك» يوفال ديسكين أن كل الخيارات المتاحة أمام إسرائيل سيئ، «فالانسحاب الآن سيكون هزيمة، والبقاء في الوضع الحالي يسبب خسائر فادحة، والتقدم بهدف توسيع العملية البرية ثمنه غال جداً». وأقرّ الباحث في «معهد الأبحاث القومي» الجنرال المتقاعد شلومو بروم بأن إسرائيل لم تدرك حجم مشكلة الأنفاق في قطاع غزة، ولا قدرة حماس على إقامة شبكة كبيرة من الأنفاق تستطيع من خلالها إرسال العشرات من مقاتليها لمهاجمة التجمعات السكنية الإسرائيلية المحاذية للقطاع». في هذا الصدد، كشفت صحيفة «هآرتس» أن نحو 85 في المئة من سكان هذه التجمعات السكنية غادرها منذ أكثر من أسبوع. وقالت إحدى المغادرات للصحيفة: «نقيم هنا منذ 43 عاماً، وفي حياتي لم يلفنا الخوف كما هذه المرة... هذه الأنفاق هي مسخ، هي سرطان يهددنا بمضاعفاته... لأجل ذلك غادر معظم السكان، وتكاد لا ترى شخصاً في الطرق والشوارع». مخاوف من انتفاضة ثالثة في موازاة متابعة الحرب على القطاع، تجند جيش الاحتلال وشرطته أمس لمنع اندلاع تظاهرات كبيرة في البلدة القديمة في القدسالمحتلة بعد صلاة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الكريم في المسجد الأقصى المبارك، وفي أحيائها المحتلة، وذلك غداة تظاهر عشرات آلاف الفلسطينيين عند حاجز قلنديا العسكري. ووصف مصدر عسكري كبير هذه التظاهرة ب «الحدث الأهم في أحداث الخميس»، مشيراً إلى أن تظاهرات أخرى عمت مدن طولكرم ونابلس وبيت لحم أيضاً. وأبدى وزير العلوم يعقوف بيري «قلقه الكبير» من التطورات في الضفة، وأعرب عن أمله في أن تكون التظاهرة عند قلنديا «تنفيس غضب ومرتبطة باحتفالات المسلمين بليلة القدر». وأضاف أنه يأمل في أن تنجح قوات الأمن في «خنق هذه الأحداث، وهي ليست في مصلحتنا ولا في مصلحة الفلسطينيين».