واصل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أمس تهديداته «بتوسيع جدي» للهجوم البري الذي بدأه جيش الاحتلال في ساعة متقدمة من مساء الخميس في قطاع غزة «حتى يتحقق الهدوء لمواطني إسرائيل لفترة طويلة»، مشيراً إلى أن الغرض الثاني من الاجتياح البري الذي بدأ في ساعة متقدمة من مساء أول من أمس، هو ضرب الأنفاق. ورأى مراقبون أنه فضلاً عن هذين الهدفين فإن ثمة هدفاً ثالثاً من العملية البرية يتمثل في حمل «حماس» وسائر الفصائل في القطاع على قبول المبادرة المصرية لوقف النار، وعليه توقعت مصادر عسكرية أن ينحصر الهجوم البري في أيامه الأولى في توغل لمسافة 3-4 كيلومترات فقط في انتظار ما ستؤول إليه الجهود الدولية والمصرية للتوصل إلى اتفاق. من جهتهم، ربط معلقون في الشؤون الحزبية بين هذه الأهداف العسكرية والسياسية وبين حسابات نتانياهو الحزبية وخشيته من أن يدفع بكرسيه زعيماً ل «ليكود» ومعسكر اليمين ثمن عدم شن الهجوم البري الذي يؤيده سائر وزراء الحكومة، ويلقى التأييد الواسع في الشارع الإسرائيلي. وقال نتانياهو في مستهل جلسة طارئة لحكومته الأمنية المصغرة صباح أمس إن التعليمات التي أصدرها وحكومته للجيش «تقضي بالاستعداد لتوسيع جدي للهجوم البري». وأردف أن الحكومة أقرت الاجتياح البري في أعقاب رفض «حماس» المبادرة المصرية لوقف النار «التي وافقت عليها إسرائيل». وزاد أن الجيش الإسرائيلي يتحرك ضد «حماس» وسائر التنظيمات الإرهابية في غزة بالبحر والجو والبر، «وقواتنا بدأت العملية البرية لضرب أنفاق الإرهاب التي تتسلل من القطاع إلى إسرائيل». وأضاف أن «معالجة الأنفاق» لا يمكن أن تتم من الجو فقط، «ولا ضمانة بنجاح العملية البرية مئة في المئة، لكننا سنفعل كل شيء لإنجاحها وللحصول على أفضل نتيجة». وتابع أن قرار التوغل البري جاء «بعد أن استنفدنا العمليات الأخرى، وعن إدراك تام بأنه من دون هذه العملية، فإن الثمن الذي سندفعه أعلى بكثير». وأشار إلى أنه قبل إطلاق العملية تحادث مع عدد من زعماء العالم ليشرح الوضع الذي تعيشه إسرائيل ووجوب أن تدافع عن مواطني الدولة. وزاد أن «الاعتبار الأعلى الذي يرشدني هو إعادة الأمن والهدوء لإسرائيل»، مضيفاً اللازمة بأن «الجيش الإسرائيلي جيش أخلاقي لا مثيل له ولا يطمح للمس حتى ببريء واحد». يعالون: سنجعل «حماس» تندم وهدد وزير الدفاع موشيه يعالون «حماس» بأنها تدفع ثمناً باهظاً جداً حتى توقف النار، «وقد دفعت حتى الآن ثمناً، وسنضرب بكل قوة كل من يحاول تشويش حياتنا ونجعله يندم على فعلته». وقال إن «عملية الجرف الصامد» ستتواصل طالما اقتضت الضرورة وإلى حين عودة الهدوء والأمن لإسرائيل». وقال رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال بيني غانتس إن القتال في المجال البري يعني احتكاكاً أكبر، «لكننا سنعرف كيف ننجز المهمة... وخلال الليل وقعت أحداث، ونجحنا في التغلب عليها والانطلاق إلى أمام». وأطلق سائر الوزراء تصريحات ترحب بالاجتياح البري وتبرره وتهدد «حماس» وسائر الفصائل «بتوسيع نطاق العملية البرية وفقاً للتطورات». ولم يستبعد وزير الأمن الداخلي أن تتطور العملية الحالية احتلالاً للقطاع، وقال: «كلي أمل في أن ندحر حماس وننزل بها أشد الضربات لتتوقف عن إطلاق النار على الأراضي الإسرائيلية». ووحدها بين قادة الأحزاب الصهيونية، غردت زعيمة حزب «ميرتس» اليساري زهافا غالؤون خارج سرب المرحبين، بل هاجمت نتانياهو على جره إسرائيل إلى «مستنقع الدماء في القطاع الذي سيجبي ثمناً دموياً من جنودنا ومن الفلسطينيين الأبرياء»، مضيفةً أن نتانياهو انجر وراء وزراء اليمين المتطرف بتوسيع العدوان على القطاع واحتلاله. وبينما برر وزراء قرار الانتقال إلى الهجوم البري بمحاولة تسلل مسلحين فلسطينيين إلى قرية تعاونية إسرائيلية على الحدود مع القطاع عبر نفق فجر الخميس، أفادت صحيفة «هآرتس» أن قرار الاجتياح البري اتخذ في اجتماع الحكومة الأمنية الثلثاء الماضي بعد رفض «حماس» اتفاق وقف النار، وأن الاجتماع خوّل رئيسها ووزير الدفاع تحديد الموعد الملائم لإطلاقه وتحديد نطاقه». وأضافت أنه مع عودة الوفد الإسرائيلي المفاوض من القاهرة ظهر الخميس حاملاً رسالة بأن «حماس» لا تعتزم الموافقة على المبادرة المصرية، قرر نتانياهو ويعالون إطلاق العملية البرية مساء اليوم ذاته. وأشارت إلى أن مكتب نتانياهو موّه وسائل الإعلام عندما بث أنباء عن اجتماع للحكومة الأمنية صباح الجمعة كأنه يبلغ «حماس» بأن إسرائيل ما زالت تفضل الحل السياسي، وأن توسيع العملية لن يحصل قبل الاجتماع، لكن في الواقع اجتمع وزراء الحكومة الأمنية سراً وأقروا العملية البرية. ضابط كبير: التوغل ل3-4 كيلومترات وقال ضابط كبير لصحيفة «يديعوت أحرونوت» إن العملية العسكرية باتت مقسمة إلى ثلاثة أجزاء: «الهجمات الجوية في موازاة ضرب أهداف في عمق القطاع، والقوات البرية التي ستبحث عن قواعد الإرهاب لتدميرها، والثالث التحضير للمرحلة المقبلة، مع استدعاء 18 ألف جندي احتياط إضافي»، ليبلغ عدد جنود الاحتياط التي تم استدعاؤهم أكثر من 70 ألفاً، فضلاً عن عشرات آلاف الجنود النظاميين. وأضاف: «بعد أن نسيطر على هذه القواعد، سنقوم بمعالجة الناشطين والوسائل القتالية ومنازل المخربين». وتوقع ضابط كبير آخر أن لا يتعدى توغل الجيش لعمق ثلاثة أو أربعة كيلومترات من الحدود، وقال إن «الهدف الرئيس منها رصد أنفاق وتدميرها من داخل القطاع... وقد تستغرق هذه العملية أسبوعاً أو اثنين واحتمالات نجاحها كبيرة، مع توقعاتنا بأن يحصل تبادل للنيران وقتال داخل المناطق المأهولة». ترحيب اسرائيلي واسع ولاقى الاجتياح البري الترحيب الواسع في الشارع الإسرائيلي عكسته عناوين وسائل الإعلام وتعليقاتها كبار المحللين الذين «هنأوا الجنود وتمنوا لهم النجاح». وتبنت وسائل الإعلام جميعها، كالعادة، روايات المستويين السياسي والأمني. واتفق كبار المعلقين مع سدنة الدولة بأن الاجتياح البري هو «عملية لا مفر». وكتب كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع أن مواصلة قصف إسرائيل ومحاولة تنفيذ عملية تفجير عبر أحد الأنفاق لم يبقيا خياراً أمام إسرائيل سوى القيام «بعملية جراحية»، مضيفاً أن التحدي الماثل أمام القوات البرية يتمثل بالتوغل «من دون التورط، والخروج من دون دفع ثمن باهظ في عدد قتلانا وقتلاهم المدنيين». وأفادت الصحيفة أن صورة الانتصار التي يبحث عنها جيش الاحتلال تتمثل في اغتيال «المطلوب الرقم 1، رئيس هيئة أركان حماس» محمد ضيف «الذي يرسل منذ عشرة أيام ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ ويدير قتال حماس، إنه الرجل الذي بسببه دخل الجيش القطاع». وكتب المعلق العسكري في الصحيفة اليكس فيشمان أنه مع انطلاق العملية البرية، «دخلنا منزلقاً أملس... سيقوم الجيش بتطهير المنطقة التي يدخلها، وقد يستغرق ذلك أياماً طبقاً للتطورات السياسية (احتمالات التوصل إلى اتفاق وقف النار)». وأضاف: «هذه مرحلة أولى يمكن أن تشكل انطلاقاً لمراحل متقدمة تشمل احتلال قطاع غزة». من جهتها، رأت المعلقة في الشؤون الحزبية في الصحيفة سيما كدمون أنه مع إطلاق العملية البرية «لن يدّعي أحد ضد نتانياهو بأنه لم يعمل كل ما هو ممكن من أجل منع هذه العملية»، وأنه بذلك يقطع الطريق على محاسبة الإسرائيليين له على عدم التجاوب مع مطلب غالبيتهم ووزراء المعسكر اليميني لتنفيذ هجوم بري». في غضون ذلك، أصدرت الجبهة الداخلية في الجيش (الدفاع المدني) تعليمات بمنع تجمهر أكثر من ألف شخص في مناطق مفتوحة على مسافة 40-80 كيلومتراً من الحدود مع القطاع، (أي حتى شمال تل أبيب والقدس وغور الأردن). فيما أعلنت جامعة بئر السبع وقف النشاط الأكاديمي في الجامعة حتى الأحد المقبل على الأقل. ضابط المظليين: اضربوهم بلا هوادة وقبل الانطلاق في العملية البرية، حض ضابط فرقة المظليين اليعيزر طوليدانو جنوده على «ضرب العدو ضرباً مبرحاً بلا هوادة... ولا تدعوهم يرفعون رؤوسهم، احفظوا هاتين القاعدتين جيداً، دائماً واصلوا الاندفاع إلى أمام بكل قوة... تفادوا أذية غير الضالعين قدر الإمكان... أيها المقاتلون شعب إسرائيل يثق بنا ويعتمد علينا... سنلاحق أعداءنا ونقبض عليهم، ولن نعود قبل القضاء عليهم... دولة إسرائيل ليست احتمالاً آخر، إنها الاحتمال الوحيد... المظليون يحاربون بقوة، بمهنية وطبقاً لقيم الجيش... سنقتلع أبواب غزة ومزاليجها».