في صباح أول أيام عيد الفطر المبارك، تبرز عادة اجتماعية في عدد من المدن والقرى، تتمثل في إخراج المنازل موائدهم الغذائية إلى المكان الأبرز في الحي، إذ يجتمع معظم الرجال الذين يقطنونه للالتقاء ببعضهم، والتواصل فيما بينهم، وتبادل التهاني بمناسبة حلول العيد. ما إن تنتهي صلاة العيد، إلا وتكون الموائد جاهزة للتقديم، حينها يبدأ تجمع الأهالي، في صورة تحضر معها واحدة من العادات الاجتماعية التي لا تزال باقية، على رغم كل ما يحيط بها من عوامل تهدد استمرارها، فالتطور المتسارع والتحضر الذي يزداد توسعه يقلقان من اعتادوا على هذه العادة، خصوصاً من كبار السن، إضافة إلى بعض الشباب الذين يحبذونها. وتشكل مائدة الحارة إحدى عناصر التواصل بين المعارف والأقارب، فمن خلالها يمكن تهنئة معظم أبناء الحي، قبل البدء في تهنئة الآخرين ممن لا يعيشون فيه، فيما تحضر هذه العادة في المحافظات والقرى بشكل أكبر، نظراً لصغر مساحاتها مقارنة بالمدن الكبرى، في حين يختلف أسلوب التجمع والالتقاء في صباح اليوم الأول من العيد بين مناطق المملكة، إذ تتميز كل منطقة بأسلوب مختلف عن الأخرى. وعلى رغم تغير أشكال التواصل بين الناس، وفي ظل ظهور تقنيات حديثة تتيح التواصل مع الآخرين بأبسط الطرق وأسرعها، إلا أن السفرة الصباحية لم تقترب بعد من مرحلة الاندثار، هكذا يرى المؤرخ والباحث محمد عبدالعزيز القويعي، إذ يعتبر أن هذه العادة تجد عمقاً من الاهتمام الذي يصعب من إمكان إيقافها وتجاهلها. ويقول كاتب سلسلة «تراث الأجداد» في حديثه إلى «الحياة»: «حتى وإن تقلص مستوى حضور هذه العادة الجميلة، وأنها لم تعد كما كانت في السابق، فذلك لا يعني أنها قريبة من الاندثار، نظراً لأن العيد يتطلب التواصل وتهنئة الجميع بهذه المناسبة، ومائدة الحي تعد واحدة من أشكال هذا التواصل بين المعارف والجيران، لذلك أدعو الآباء والشباب إلى التمسك بهذه العادة، والحفاظ عليها وتوعية النشء بأهميتها، لكونها تعكس الاهتمام بالتواصل بين أفراد المجتمع، وتعزز من قيمة التماسك بين الأقارب والمعارف كما حثنا ديننا الحنيف، وكذلك كما هي عاداتنا وتقاليدنا». ويوضح القويعي أن في السابق كانت الأسر تضع موائدها في مكان معروف في الحي السكني، ليجتمع جميع السكان ويستقبل فيه القادمين من خارجه، وفي الوقت الحالي أصبحت بعض الأسر تضعها في منازلها، ويتم إخبار الآخرين بذلك للحضور، خصوصاً على مستوى المدن، معتبراً أن القرى والمحافظات الصغيرة تعد أكثر التزاماً بهذه العادة من أهالي المدن.