على الرغم من تشابه عادات المسلمين في البلدان العربية والإسلامية خلال العيد المبارك، إلاّ أن لدى بعض الشعوب والدول عادات تختص بها دون غيرها. وإن كانت صلاة العيد والصدقات على الفقراء والمساكين وزيارات الأقارب وصلة الأرحام وغيرها من الفروض والسنن والواجبات هي واحدة في جميع بلدان العالم الإسلامي؛ لكونها تشريعات ربانية وسنن نبوية كريمة، إلاّ أن العادات والتقاليد لدى كثير من هذه الشعوب تختلف باختلاف أرضها ومناخها وموروثها الشعبي والاجتماعي. وعيد الفطر هو أول أعياد المسلمين في أول يوم من أيام شهر شوال ويأتي بعد صيام شهر رمضان، وهو بمثابة التعبير عن الفرح والسرور بإتمام صيام الشهر الكريم، حيث يؤدي المسلمون بعد شروق الشمس بثلث ساعة تقريباً صلاة العيد، ويتبادلون بعدها التهاني، ويزورون أهلهم وأقرباءهم ويعطفون على الفقراء والمساكين. أسكتلندا يحرقون السفينة، تلوين «الهنديات» لحمايتهن من المحرقة، حرب الطماطم في أسبانيا، كولومبيا ترتدي المعاطف، روسيا تحتفل ب«الملاكمة» واليابان ب«الرجل العاري»! وقد تميزت أعياد المسلمين بتحقق البعد الروحي للدين الإسلامي، وذلك بتحقق الفرحة والبهجة لدى العموم والشمول، ما يجعل الناس جميعاً يشاركون في تحقيق هذه المعاني واستشعار آثارها المباركة ومعايشة أحداث العيد كلما دار الزمن وتجدد العيد؛ ففيه تتجلى الكثير من معاني الإسلام الاجتماعية والإنسانية، وتتقارب القلوب على الود، ويجتمع الناس بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر، كما أن فيه تذكيرا بحق الضعفاء والمعوزين، ولذلك تشمل الفرحة بالعيد كل بيت وتعم الخيرات كل أسرة وهذا هو الهدف من تشريع صدقة الفطر في عيد الفطر المبارك، أما المعنى الإنساني للعيد فهو أن يشترك جميع المسلمين بالفرح والسرور في وقت واحد؛ فيظهر اتحادهم وتوادهم وتراحمهم وفي ذلك تقوية للروابط الفكرية والروحية والاجتماعية، وإذ يعد التكبير في العيد سنة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الغسل للعيد يعد سنة مؤكدة في حق الجميع، ويستحب للمسلم أن يتطهر ويلبس أحسن ما يجد ويتطيب ويتسوك ويبادر إلى الإفطار قبل الخروج إلى الصلاة على تمرات يأكلهن وتراً؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً». ابتسامة العيد تزداد تألقاً مع الألعاب الشعبية ثقافة مجتمع كان التقارب والتواصل والتكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع قد ساعد وبشكل كبير في ردم الفوارق الاجتماعية والطبقية بين أبناء المدينة أو القرية الواحدة؛ إذ يسعى أبناء الميسورين لتقصي حاجات ذويهم وجيرانهم، لا سيما في شهر رمضان المبارك وقبل أيام العيد التي تشهد تواصلاً أكثر مع أسر الأيتام والأرامل والبحث عن المعوزين وذوي الحاجة لمساعدتهم في تأمين ما يحتاجونه من لوازم يوم العيد، وتهيئتهم مادياً واجتماعياً للمشاركة في فرحة العيد والشعور كغيرهم بالسرور والسعادة، من خلال الحضور لصلاة العيد وتبادل الزيارات والإفطار المسلمون في الخارج يلفتون انتباه «الخواجات» بشعائر إيمانية نابعة من القلب.. عناق وتسامح وتكافل الجماعي؛ في حين يجتمع الأطفال بنين وبنات بثيابهم القشيبة وألعابهم البريئة يستقبلون أعمامهم وأخوالهم الذين يوزعون على صغارهم ما جادت به نفوسهم من النقود والقروش التي يتقافز الصغار معها فرحاً وسعادة متجهين صوب دكان صغير في زاوية الحي، حيث مازال صاحبه يتلقى تهاني ومعايدة ذويه وجيرانه. وفي حين كانت الأمهات والخالات يوزعن الحلوى والقريض على الأطفال، كان أبناء الحي يجوبون الشوارع ويطرقون أبواب ذويهم وجيرانهم وهم يرددون أهزوجة العيد الشهيرة «عطونا عيدنا عادت عليكم... إلخ»، وكثيراً ما كانت هذه الأهزوجة تحقق مبتغى الصغار الذين يملأون ثيابهم من عيدية الجيران والأقارب. حضارة الأمم السابقة شاهدة على احتفاء الإنسان بتقاليده والتعبير عن شعوره مهما كان دينه ودافعه.. واعتادت الأسر في بلادنا لا سيما في الحجاز أن تبدأ مظاهر الفرحة بالعيد قبل حلول يوم العيد نفسه، حيث تبدأ الأسرة بشراء حاجياتها من ألبسة وأطعمة وإظهار الزينة في المنزل والحي، كما يتم الإعداد للحلويات، مثل الكنافة والهريسة والزلابية والمعمول، ثم يتجمع الناس من أول ساعة من صباح العيد لصلاة العيد؛ ليهنئوا بعضهم البعض في المسجد، بقولهم (كل عام وأنتم بخير) و(عساكم من عواده) و(تقبل الله طاعتكم).. (من العايدين الفايزين) وغيرها، ثم يذهب الناس إلى منازلهم استعداداً للزيارات العائلية واستقبال الضيوف من الأهل والأقارب؛ إذ جرت العادة أن تجتمع الأسرة في منزل الجد والجدة ليلتقي الأبناء والأحفاد والأقارب والجيران في جو عائلي احتفالي، حيث تزدهر حينها القرى والمدن الصغيرة بالحياة والحركة وتبدو المدن الكبيرة وعواصم الأقاليم في هدوء غير مشهود في أوقات العمل ومواسم الدراسة. واجهة إحدى المدن اللبنانية حيث طقوس الفرح تعلو أمام الحضور طقوس ومهرجانات! في الأمم السابقة، لا سيما بلاد الشرق كانت الطقوس المتعلقة بما يسمى الأعياد القومية تحظى برعاية خاصة من الملوك والأمراء، وتحديداً في بعض المناسبات الدينية؛ ففي مصر مثلاً كان أتباع مذهب «اوزوريس» يعقدون اجتماعات جماهيرية ضخمة في مدينة «ابيدوس»، كما كانت المواكب والأناشيد وعروض التمثيل الإيماني تقيم -وفق معتقداتهم- احتفالاً بذكرى وفاة أو بعث معبوداتهم، أما في الصين فكانت الألعاب تلعب دور «صمام الأمن»؛ فالإمبراطور كان قد ترك لرعاياه فرصة التحرر في فترات منتظمة، وبذلك يستطيع -على حد زعمه- زيادة التحكم في حماسهم وشحذ أذهانهم، وهكذا كانت الاحتفالات تجرى بما يسمونه الأعياد العامة كل سنة، وهو إجراء أيده «كونفوشيوس»، وهذا الفرح هو الذي تطور فيما بعد في الغرب في أثينا وفى روما، ففي أثينا كان اليونانيون يستخدمون ما يسمونها أعياد «باخوس» فى إحصاء السنين قبل «الألعاب الأولمبية»، وقد بلغ من إقبال روما على هذه الأعياد أن احتفلت بها ثلاث مرات في السنة، ولكن ما كان يتخللها من جموع وإفراط جعل مجلس الشيوخ آنذاك يحظرها، أما ما يسمى أعياد «ستيرن» فقد كانت تقام وفق معتقدهم «العيدية» أجمل ما يبقى في الذاكرة حين تنفد عند «دكان الحارة» وتعود مردداً: «عطونا عيدنا» تكريماً لما يسمونه الإله «ستيرن» في الستة عشر يوماً الأولى من شهر يناير، فكانت تجرى وسط فترة من العطلات الكبرى؛ إذ كانت المحاكم والمدارس تغلق أبوابها وتتعطل مصالح الحكومة وتحظر الحروب، ولا يسمح بإعدام أحد من المجرمين، وفي فلورنسا وسط جموع من الناس تعرض لوحة حية تمثّل منظراً أسطورياً فوق عربة كبيرة تردد فيها جوقة من المنشدين أوصاف مختلف الشخصيات الجاري عرضها، بل إن كرنفال عام 1541م الذي أقيم في قناة «فينيسيا» الكبرى، كان ثمة عرض لكرة ضخمة تمثل العالم، وفي الداخل كان يقام حفل فلكلوري ويحيط بالكرة أعداد كبيرة من قوارب الجندول المضاءة في حين تعلوها جنيات مجنحة، وفي روما بعثت احتفالات النصر للأباطرة في مواكب فخمة كانت تخترق الطرقات، كما كانت تقام مهرجانات أخرى أبان عصر النهضة في بعض المناسبات السعيدة للأسرة المالكة مثلاً، أو لمناسبة زواج إحدى الشخصيات الكبيرة، وفي تلك المناسبات كان باستطاعة أي فرد أن يشبع نهمه في المطابخ التي كانت تقام في الهواء الطلق. «بسطة العيد» تستنفد مبالغ العيدية صباحاً وإذا كانت عجلة الزمن قد دارت واندثرت تقاليد عديدة وتغيّرت عادات العديد من الشعوب -فيما يطلقون عليها الأعياد-؛ فإن العديد من مظاهر الاحتفالات القديمة بالأعياد الإسلامية في صعيد مصر لا تزال باقية حتى اليوم، وتنقسم تلك المظاهر ما بين مبهج ومبكٍ، وتبدأ أول مظاهر العيد هناك بارتداء الملابس الجديدة وتبادل الزيارات في صبحية يوم العيد، وتحرص النساء وربات البيوت في الأقصر مثلاً على الاستعداد للاحتفال بالعيد مبكراً ب»يوم الخبيز»؛ إذ تقيم نساء كل نجع احتفالية جماعية لإعداد البسكويت و»الشريك»، أما ملابس العيد فتشترى قبل العيد ولا تنسى الأسر الأقصرية في ليلة العيد أن ترسل وجبة «عشاء» من لحوم وخضروات وأرز وفاكهة لكل بنات الأسرة خطيبات الأبناء، وهذا عُرف متأصل هناك لا يتجاهله غنى أو فقير، كما أنهم كانوا يكثرون في يوم العيد من زيارة المقابر للسلام على الأموات وطلب الرحمة والمغفرة لهم وتذكر حالهم بعد انقطاع الأسباب وطول الفراق. طقوس عالمية في اسكتلندا وفي محاولة لتخليد (ذكرى الفايكنج) يحرق الاسكتلنديون سفينة بارتفاع 32 قدماً شبيهة بسفن (الفايكنج)؛ فيما يسمونه عيد «أب هيلي» الذي يعني نهاية الأيام المقدسة، أما في الهند فترمي النساء بعضهن بالألوان التي تدعى «الجولال» لتمجيد قدوم الربيع، وهذا التقليد لحمايتهم من أمير «الفيش ونو» الذي يحرق الأشخاص في محرقة كبيرة. وفي أسبانيا بنهاية شهر آب يجتمع الآلاف من الأشخاص ليتحاربوا بالطماطم لمدة ساعة متواصلة، فيما يسمونه عيد «توماتينا»، وفي كل سنة يأتي 30000 سائح لحضور هذا المهرجان، كما يوجد قاعدة واحدة للاحتفال، وذلك لعدم تطور رمي الطماطم إلى شجار عنيف حقيقي بين الأفراد، أما في كولومبيا فيرتدون المعاطف من تصميم الحرفيين المحليين بواسطة الصوف المحلي للترويج لصناعتهم في مهرجان حديث نسبياً، أما روسيا ففي بعض المدن وقبل الأعياد بأسبوع يجري احتفال ضخم يسمى «الملاكمة الحرة»، وفيه يتصارع الشباب بدون أي قواعد تبعاً لتقليد قديم، حيث كان المقاتلون لا يتركون الحلبة دون أن يتلطخ جسدهم بالدماء من كثرة الضرب العنيف الذي يتلقوه، وفي اليابان حيث تدعو الخرافة أن يجتمع كل الرجال وتلف حول خاصرتهم منشفة باستثناء رجل عار تماماً يجب البحث عنه؛ لكي يجلب الحظ والسعادة لمن لمسه. من هذا تتضح بعض المقاصد السامية لأعياد الإسلام، حيث يسبق يوم العيد صور مثلى من صور التكافل والتراحم والتواصل الاجتماعي، وتحديداً بتوزيع الصدقات والزكوات وإطعام الفقير من لحوم الهدي والأضاحي، كما يبدأ الناس بالتزاور والتقارب، من خلال الحث على صلة الأرحام وزيارة المرضى والسؤال عن أصحاب الحاجة والمعوزين، كي يستطيعوا مشاركة أقرانهم فرحة العيد، في حين ترتبط معظم أعياد الشعوب الأخرى بالمعارك التاريخية والملاحم الأسطورية والمهرجانات الموسمية. المسلمون في الخارج في أمريكا وبريطانيا وفي كثير من الدول الغربية تعد مناسبة العيد فرصة مهمة للتقارب الاجتماعي بين المسلمين كُلٌ حسبما ما اعتاد في وطنه، بل يتشارك المسلمون في عاداتهم وتقاليدهم؛ فمعظم مسلمي بريطانيا من ذوي الأصول الباكستانية والهندية، بل يعد الإسلام هو الدين الثاني من حيث الانتشار في بريطانيا، وهناك يُعد المسلمون الهدايا لبعضهم البعض ويتبادل الأطفال أكياس الحلوى والمكسرات لإحياء فرحة العيد والتعريف بها في المجتمع الغربي، وفي المساء يبدأ التزاور وتوصيل الهدايا للمعارف. ويسعد الكنديون بهذا التقارب ويعجبون بمظاهر الفرح والسرور التي يتبادلها المسلمون هناك، وتسمح بعض الدول الغربية كإيطاليا للعديد من المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية والاحتفال بها عبر ساحات خصصتها البلديات لمثل هذه المناسبات الدينية للمسلمين. موائد العيد في الحارات تمنح المزيد من التواصل والتكاتف أعياد المدينة يبدو أن انحسار بعض مظاهر فرحة العيد في عصرنا الحالي، لا سيما في العواصم والمدن الكبرى قد تسبب في الغياب الجماعي لبعض العادات والتقاليد الحميدة التي حوصرت بفعل التغيّر الاجتماعي بمخرجات التقنية الحديثة التي ساهمت هي الأخرى في فقدان البعض لحميمية التواصل الاجتماعي والتزاور بين الجيران والأقارب، وتحديداً في صبيحة يوم العيد بعد أن اكتفى البعض برسالة معبرة أو مكالمة عابرة لبعض الأسماء التي مازالت ذاكرة جواله الخلوي محتفظة بآخر مكالمة لهم إبان العيد الماضي، كما ساهمت سفريات الصيف وإجازة العيد بفقدان الأجواء الفرائحية في كثير من البلدات؛ إذ تبدو المدن والشوارع شبه خالية من الأهالي الذين بادروا إلى السفر للخارج، أو أولئك الذين يعانون من اضطراب في ساعات نومهم ويقظتهم التي أضاعت عليهم فرصة الالتقاء بالأحباب والجيران والأقارب، ناهيك عن استسلام البعض للتغيرات الاجتماعية التي فقد من خلالها أبناء الحي الواحد سنة الإفطار الجماعي والتهنئة الجماعية والبكور في مباشرة زيارة الأقارب والجيران، ناهيك عن الرحلات الجماعية التي تجمع الشتات وتصلح ذات البين وتعين على صلة الأرحام والتواصل مع الأبناء والأحفاد. الأسبان يحتفلون في نهاية شهر أغسطس بعيد «توماتينا» طقوس هندية أثناء الاحتفال بمناسباتهم الدينية