جرى العرف أن يخضع المصاب بمسّ إما لجلسات علاج روحانية وإما لمعاملة قاسية من المحيطين وإما للضرب المبرح من المعالج حتى يبرحه هذا المسّ الشيطاني. تصريح المرشد العام لجماعة «الإخوان المسلمين» محمد بديع، بأن الشيطان الذي أوحى لسحرة فرعون هو الذي يوحي لإعلاميي مصر حالياً بأن يصوروا للشعب أن الإخوان ما هم إلا بديل الحزب الوطني المنحل، وأنهم في طريقهم إلى تدمير البلاد، ربما أثار جدلاً ومادة لحوارات تلفزيونية عدة، لكنها جاءت بالنسبة الى كثيرين تحصيل حاصل، ولم يكن التفوه بهذا الكلام أو بمثله سوى مسألة وقت. فالإعلام الخاص الذي يعتبره مرشد الجماعة مصاباً بمس شيطاني، هو ذاته الذي كان يعطي الجماعة صوتاً يطل على ملايين المشاهدين وقت كانت الجماعة لا تلقب إلا ب «المحظورة» في التلفزيون الرسمي. لكنّ الحال تغيرت اليوم، فما ان شخّص مرشد الجماعة الوضع حتى بدأت أوركسترا البرلمان الفيلهارموني تعزف مقطوعة الإعلام المنفلت التحريضي الذي يحوي ذمماً مشتراة، وهي المقطوعة التي حوت «سوناتا» من العزف المنفرد لوزير الإعلام، الذي أشار إلى وجود برامج سيئة وأخرى مشبوهة، ملمحاً إلى أن سبب المشكلة ربما يعود إلى عدم خضوع هذه القنوات الى وزارة الإعلام. وإذا كان وزير الإعلام لم يتحدث عن مسّ شيطاني، فهو رفع راية الأب الشرعي الذي يجب وجوده لمراقبة الأبناء القصر، أي القنوات الخاصة، وكأن مشكلة الإعلام المصري تتلخص في انفلات القنوات الخاصة التي تنتقد أداء البرلمان ذي الغالبية الإسلامية السياسية، في حين تقف القنوات التلفزيونية المملوكة للدولة، والتي تتسم منذ سقوط النظام باللون الباهت الذي لاملامح له! وإذا تسنّت قراءة المستقبل القريب للقنوات في ضوء المعطيات السياسية الراهنة، فإنه يمكن القول إن الإطباق على حرية الإعلام بات قريبا جداً. وعلى عكس الإطباق السابق من النظام الذي سقط، والذي كان يدور في فلك الاتهام بتكدير الأمن العام وبلبلة الأمان الاجتماعي، والتحريض ضد النظام، واتباع أجندات أجنبية، فإن الإطباق المقبل سيتخذ من الدين ذريعة، فالبرنامج المنتقد لسياسة ما سيكون محرضاً على الكفر والإلحاد، والمذيع المتسائل عن حقيقة أيديولوجيا حزبية ما سيكون مشككاً في الإيمان ومزعزعاً للعقيدة، والمذيعة الطارحة لوجهات نظر مغايرة لموقف الغالبية البرلمانية ستكون مدسوسة للإطاحة بالمادة الثانية من الدستور ولا شك! الغريب والمثير في آن، هو أن أحداً من رافعي شعار أخلاقيات العمل الإعلامي لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى فوضى القنوات الدينية التي فتحت أبوابها أمام دجالي العلاج الروحاني وعطاري أعشاب الصحة الجنسية والقوة الذكورية ومفسري أحلام النائمين، وكله بأمر الله، وهو ما ينزهها عن الشبهات، ويعلو بها فوق السقطات، وينأى بها عن المس الشيطاني، الأرضي والفضائي!