في اليوم التاسع للحرب على قطاع غزة، انشغل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أيضاً في الحرب الداخلية التي أعلنها عليه أقطاب اليمين المتطرف بقيادة زعيم «إسرائيل بيتنا» وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان على خلفية قبوله الاقتراح المصري بوقف النار وعدم إطلاق يد الجيش للقيام بعملية برية. وتوقع مراقبون أن تحتدم هذه الخلافات، التي تؤججها شخصيات نافذة داخل «ليكود» الذي يتزعمه نتانياهو، على الساحة الحزبية مع انتهاء الحرب فتقود إلى تغييرات في الائتلاف الحكومي الحالي أو إلى انتخابات عامة مبكرة. في غضون ذلك كشفت صحيفة «هآرتس» أمس نقلاً عن مصادر ديبلوماسية لم تكشف عن هويتها أن نتانياهو تحدث يوم السبت الماضي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول التطورات في القطاع. وأضافت أن موفد الرباعية الدولية السابق إلى الشرق ألأوسط توني بلير هو الذي توسط بين الرجلين لإجراء المحادثة وإدخال مصر على خط الوساطة. وتوقعت أوساط سياسية وإعلامية أن يضطر نتانياهو، حيال ضغوط اليمين المتشدد والرأي العام الذي يدعو إلى مواصلة الحرب على القطاع، إلى تصعيد العملية العسكرية لتشمل عملية برية محدودة النطاق. ولم يستبعد وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينتس عملية كهذه «محدودة أو غير محدودة» في حال استمر تعرض مدنها إلى القصف يوماً أو اثنين، «وهي عملية ستحظى بلا شك بشرعية دولية». وأضاف أن هناك هدفين للعملية العسكرية الإسرائيلية الحالية على القطاع، «الأول تكتيكي فوري» يقضي باستعادة الهدوء من خلال ضرب حركة «حماس» بقوة، والثاني بعيد المدى يقضي بتجريد قطاع غزة من السلاح بما في ذلك القضاء على «حماس». وتابع أنه شخصياً يؤيد أن يعيد الجيش احتلال القطاع لبضعة أسابيع «بهدف القضاء على جيش الإرهاب والتمهيد لشيء آخر لا أود الخوض فيه الآن». ودافع شتاينتس عن نتانياهو على خلفية الانتقادات لقبوله المبادرة المصرية لوقف النار وعدم إعطاء الضوء الأخضر للجيش باجتياح بري في القطاع، وقال إن «نتانياهو يتصرف بمسؤولية كبيرة وبصرامة لأنه الوحيد الذي يرى جوانب الأمور كافة». وقال رئيس الهيئة الأمنية السياسية في وزارة الدفاع عاموس غلعاد للإذاعة العامة إن الجيش الإسرائيلي سيواصل عمليته العسكرية «ويخرج منتصراً أيضاً في نظر حماس»، من أجل استعادة الأمن على الحدود مع القطاع. وأضاف أنه سيتم تصعيد العملية طبقاً للضرورة ووفقاً لتعليمات الحكومة الأمنية المصغرة «من أجل تحقيق هدف العملية وهو ضمان الهدوء لسنوات طويلة». وأضاف إنه لم يسمع عن اقتراح «حماس» لوقف للنار لعشر سنوات مشروطاً بعدة شروط كما أوردت صحيفة «معاريف»، لكنه اعتبر أن ما نشر يتحدث عن «هدنة» وليس وقفاً للنار «وهذا ما ترفضه إسرائيل لأنه يعني أن نمنح حماس عشر سنوات لتحسن قدراتها الصاروخية وتبني المزيد من الأنفاق». وأردف أن «حماس» تدرك أنها فشلت في إلحاق خسائر في الأرواح في إسرائيل، فضلاً عن أنها تجد نفسها وحيدة في المواجهة، «فيما العالم العربي لا مبالٍ بل لا يتعاطف معها». وكان قائد «المنطقة الجنوبية» في الجيش الميجر جنرال سامي تورجمان أعلن مساء أول من أمس أن قواته جاهزة للقيام بعملية برية في القطاع «نفاجئ فيها حماس»، مضيفاً أن «حماس» ارتكبت خطأ فادحاً برفضها اقتراح وقف النار والرد عليه بتكثيف نيرانها على إسرائيل. وطبقاً لتعليقات المحللين العسكريين فإن الهدف من عملية برية محدودة سيكون هدم عشرة أنفاق على الأقل قريبة من الشريط الحدودي لمنع عمليات تفجيرية تخطط لها حماس عبر هذه الأنفاق. في غضون ذلك انشغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية ب»الحرب الداخلية» بين نتانياهو من جهة وأقطاب اليمين المتشدد الذين يوجهون له انتقادات شديدة بداعي أنه «متردد» و»غير صارم» على قبوله الاقتراح المصري بوقف النار ورفضه طلبهم بتنفيذ عملية برية في القطاع. وتأجج النقاش في الساحة الحزبية في أعقاب قرار نتانياهو إقالة نائب وزير الدفاع رئيس اللجنة المركزية في حزبه «ليكود» داني دانون على خلفية انتقادات حادة أطلقها الأخير أول من أمس أعرب فيها عن معارضته أي اتفاق لوقف النار، معتبراً قرار الحكومة الأمنية قبول الاقتراح المصري «دليل ضعف الحكومة» ويصب في مصلحة «حماس» ويغلق نافذة فرص لتسديد ضربة قاضية إلى هذه الحركة. وتوعد ناشطون مركزيّون في «ليكود» نتانياهو بمحاسبته داخل الحزب مدافعين عن دانون الذي يحظى بشعبية واسعة لدى الأوساط المتطرفة. وقال أحدهم للإذاعة العامة إن دانون يعكس موقف غالبية ناشطي الحزب الذين يطالبون باجتياح بري، «ونذكّر نتانياهو بأن الشعب انتخبه بعد أن وعد بتحقيق الأمن لسكان الجنوب والقضاء على حركة حماس، لكنه لم يفعل». واعتبر معلقون قرار نتانياهو إقالة دانون رسالة إلى وزراء في الحكومة ينتقدون سياسة الحكومة، لكنهم أشاروا إلى أن نتانياهو لم يجرؤ على إقالة وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان خوفاً على تفكك حكومته، وأنه اختار أن «يستعرض عضلاته على الضعفاء». وقال ليبرمان أمس إن تردد الحكومة في اتخاذ قرار بالقيام بعملية برية «يحول دون تأمين عطلة صيفية هادئة لأولادنا ولن ننجح في تأمينها من دون عملية برية واسعة وإعادة سيطرة الجيش الإسرائيلي على جميع أنحاء القطاع ليس من أجل البقاء هناك إنما لنضمن أن كل مخربي حماس هربوا أو اعتقلوا أو قتلوا». ودعم القيادي في حزب «العمل» ايتان كابل القيام باجتياح بري غير محدود «يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة. حتى الآن انتهجنا ضبط النفس لكن للصبر حدوداً». وتوقع أن تستمر العملية العسكرية أكثر من شهر. ولم يسلم نتانياهو من أقلام وألسنة معلقين بارزين. وكتب كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع إنه ليس من مصلحة إسرائيل تسليم القرار بوقف النار لحركة «حماس»، «والانطباع السائد اليوم هو أن إسرائيل تنجر من دون تحديد هدف أو استراتيجية ومن دون رب للبيت. وستكون لذلك انعكاسات أمنية وسياسية داخلية». وأضاف أنه يوجد لإسرائيل متحدث بارع اسمه بنيامين نتانياهو لكن لا يوجد رئيس حكومة لها». واعتبر أن تهجم وزراء بارزين على نتانياهو «يقضم من هيبته ومرجعيته، وهو غير قادر على إقالتهم لأنه سيخسر الحكم». وزاد أن الدمج بين مواصلة إطلاق النار من القطاع والانتقادات الداخلية من أقطاب في الحكومة «قد يجر نتانياهو إلى مواقع لا يريدها، وليبرمان الذي يعرف نتانياهو أكثر منا جميعاً يعرف أن الصخرة (نتانياهو) ليست بتلك الصلابة».