يتبادر إلى أذهان البعض أن معرض «إبداع» الذي نظمته وزارة التربية والتعليم ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع في الرياض الأسبوع الماضي، أشبه ب«الترف» على رغم مسماه الإبداعي ومضمونه العلمي، ويتساءل آخرون: «هل لدينا مخترعون ومبتكرون أساساً؟»غير أن الزائر إلى معرض «إبداع» سيتوقف كثيراً أمام «حقائق سارة»؛ وهو يتجول وسط مئات من الابتكارات والأبحاث في مختلف المجالات العلمية ، يقدمها فتيان وفتيات لا تتجاوز أعمارهم 17 عاماً. تحتشد الطموحات والآمال في عقولهم، ليدشنوا «وطناً مبدعاً» بأفكارهم، وتشع من وجوههم ملامح مليئة بالثقة والفخر والاعتزاز بأعمالهم، ولا يقطع «حال الدهشة» من حديث طالب عن ابتكاره الشخصي إلا طالباً آخر أنجز مشروعاً بقدرات تتجاوز عمره، يطلقون عنان الإبداع بحثاً عمّن يتبنى زمام المبادرة ويطلقها على أرض الواقع. أحدهم يقدم ابتكاراً خلاّقاً لمن تحتجزه المصاعد الكهربائية، بعد أن تعرضت إحدى قريباته للاحتجاز في مصعد لمدة ساعتين، وآخر يقدم حلاً للحرائق في المدارس بعد اندلاع حرائق عدة في بعض المدارس في المملكة، وطالبة قدمت دراسة عن إمكان تأثير «اللايدن فروست» على النقل البحري، إذ يهدف هذا التطبيق الفيزيائي إلى تقليل الاحتكاك بين السفينة وماء البحر ما يؤثر في زيادة سرعة السفينة ويقلل من استهلاكها للوقود وبالتالي خفض انبعاثات الكربون في الجو، وطالب آخر يبتكر عصاً الكترونية لحماية المكفوفين من الاصطدام بأي حاجز من جميع الاتجاهات والتنبيه عن وجود ماء أو حريق، بعد أن شاهد عجوزاً سقطت نتيجة عدم علمها بوجود بقعة ماء أمامها. ابتكارات وبحوث تجاوزت ال500 ابتكار وبحث في مجالات الطب والعلوم الصحة والحاسب الآلي وعلوم البيئة والفيزياء والفلك والكيمياء والهندسة الكهربائية والميكانيكية والطاقة والنقل والعلوم الاجتماعية والسلوكية وهندسة المواد والهندسة الحيوية وعلوم النبات وعلوم الحيوان وعلم الأحياء الدقيقة والأحياء الخلوية والجزيئية وعلم الأرض والكواكب والعلوم الرياضية والكيمياء الحيوية. أثناء زيارة وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله، معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي (إبداع) أخذ يناقش الطلاب عن ابتكاراتهم ويسألهم عما وراء الابتكار، ليجد إجابات متنوعة جعلت الوزير يعلن في كل مرة «أنا فخور بكم ألف مرة»، ويمدد وقت الزيارة ليتسنَ له الاطلاع على أكبر قدر ممكن من الابتكارات والبحوث، غير أنه حين همّ بالخروج أوقفه طالب لم يتجاوز عمره 14 عاماً: «سمو الأمير لو سمحت هل يمكن أن تشاهد ابتكاري؟ وهنا يرد الوزير: «أنت تامر أمر»، وجذب الطالب الوزير إلى ركنه متحدثاً أمام مجموعة من المسؤولين عن أهمية ابتكاره وضرورة العناية به، مما أثار تفاعل المسؤولين بتحيته والسلام عليه. الحديث في المعرض لا يخلو من هاجس تجاهل المبتكرين و«موت الابتكارات» وهو ما يشغل بال أصحابها في حال تم تهميشهم بعد هذا المعرض، اذ ان مؤسسة «موهبة» عملت على تنمية روح الإبداع لدى الطلاب والطالبات، وتطوير مواهبهم عن طريق التعلم الذاتي، ولكن ليس من أدوارها «الرعاية اللاحقة» أو تسويق الابتكار والبحث لدى القطاعين الحكومي والخاص، بل ان وزير التربية نفسه تساءل: «لماذا لا يتبنى رجال الأعمال ابتكارات مخترعينا؟» معرض «إبداع» يكشف عن وجوه ومواهب وطاقات مميزة بين الطلاب والطالبات في مراحل التعليم العام في السعودية، الذين ينطلقون من فكرة ربما تكون صغيرة عملاً بالقاعدة الشهيرة: «إن أعظم الاختراعات بدأت بفكرة صغيرة»، ثم تتحول إلى ابتكار ملموس إلى أن يتم تسجيله كبراءة اختراع، غير أن الحديث الذي يجول في عقول اؤلئك الطلاب والطالبات، «إلى أين يتجه مصير اختراعاتنا؟»، ربما إلى «لا شيء». ماجد الخميس