منذ أكثر من 70 عاماً اشتهرت بلدة الجزيرة أبا في ولاية النيل الأبيض في السودان بصناعة الأحذية البلدية (المركوب) المصنعة من الجلود الطبيعية. وازدهرت هذه الصناعة اليدوية التقليدية ووصلت إلى مجدها، قبل أن تتراجع بسبب منافسة الصناعات المستوردة. ويقول عدد من رواد هذه الصناعة أن سوق أحذية المركوب الجلدي في البلدة كان يؤوي أكثر من 200 مشغل ومعرض، لم يبق منها إلى الآن سوى سبعة. ويقول صديق جارالنبي، وهو أحد العاملين في صناعة المركوب في السوق القديم، إن الأحذية التي تصنع هنا تعرف أيضاً باسم "تلبس تلبس" لإمكان لبس الحذاء الأيمن في الرجل اليسرى والعكس بالعكس. ويؤكد أن الإقبال عليها تراجع بسبب اتجاه الناس إلى الأحذية العصرية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف المواد الخام من جلود وأصباغ وغراء. ويوضح جارالنبي أن حذاء "تلبس تلبس" الذي اشتهرت به المنطقة، معروف على نطاق واسع في السودان، لافتاً إلى أن صناعته تراجعت "بعدما انتقل عدد كبير من الرواد إلى الدار الآخرة فيما الحرفة أصبحت غير جاذبة لأبنائهم الشباب لأنها تحتاج إلى الصبر والمهارة". ويضيف: "أصنع حذاءين في اليوم بالاعتماد على العمل اليدوي". ويشرح جارالنبي تفاصيل صناعة المركوب السوداني: "يتم تجهيز جلد الضأن والماعز والورل البحري والثعابين، ويصبغ بالأبيض، ويؤتى بالقماش والغراء والربل والشمع والخيط، ويوضع الحذاء في القوالب بعد تفصيله ويخيط يدوياً باستخدام أدوات مثل الهنداسة والطبن". ويشير جارالنبي إلى أن معظم إنتاج من تبقى في السوق يذهب لتلبية طلبات الزبائن الذين ما زالوا متمسكين بارتداء "تلبس تلبس" الذي يعتبر تراثاً عتيقاً استطاع الاستمرار وسط الحداثة. ويصل سعر حذاء "تلبس تلبس" إلى 80 جنيهاً سودانياً (10 دولارات). ويسعى جارالنبى إلى الحصول على تمويل من الحكومة المحلية في منطقته لإنشاء ورشة تسمح له بمضاعفة إنتاجه. ويقول في هذا السياق: "على رغم اتجاه السودانيين إلى الأحذية الحديثة والمستوردة، لا يزال عدد كبير من الزبائن يفضلون اقتناء إنتاجنا الذي يتفاخرون به في المناسبات الاجتماعية خصوصاً إذا كان الحذاء مصنوعاً من جلد الثعبان أو الأصلة إذ يصل سعره إلى 500 جنيه سوداني".