جاءت الحملة الوطنية للتوعية على قيمة أصواف خِراف عيد الأضحى في المغرب في وقتها المناسب، أو بالأحرى قبل فوات الأوان، لتنبه المغاربة إلى خطأ فادح يرتكبونه سنوياً من دون تقدير عواقبه الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك بخسارتهم جزءاً من تقاليدهم الوطنية التي ارتبطت بجلد خروف «العيد الكبير» كما يسميه أهل المغرب. واستندت الحملة إلى تقرير مقلق أنجز حديثاً وبيّن أن من أصل أكثر من خمسة ملايين رأس من الغنم والماعز تذبح يوم عيد الأضحى، فإن أكثر من نصف جلودها يؤول إلى المكبات العمومية، نتيجة التعفن أو عدم مطابقة معايير الجودة العالمية لاستخدامها في الصناعة الجلدية التي يشتهر بها المغرب في الداخل والخارج. وتمثل هذه الخسارة السنوية إلقاء المادة الخام الرئيسة لملايين الأحذية والحقائب الجلدية العالية الجودة في القمامة، إذ ينتج جلد خروف واحد حذاءين إلى ثلاثة أحذية، أو حقيبة إلى حقيبتين، بحسب حجمه. وقالت جامعة الصناعات الجلدية، صاحبة الدراسة، إن تكلفة فقدان الجلود يوم العيد يعادل ضياع نحو 150 ألف يوم عمل، وتضرر مئات الآلاف من الصناع والعاملين في مجالات الدباغة الحديثة والصناعة التقليدية، مع العلم أن المغرب يستورد ما قيمته بليون درهم مغربي سنوياً من الجلود. وأقيمت الحملة بواسطة اتفاق شراكة بين هذه المؤسسة ووزارة الصناعة والمكتب الوطني للسلامة الصحية، بمساهمة أطباء بيطريين وأئمة وخطباء المساجد، للمناداة بضرورة الحرص على سلامة جلود الأضاحي من أي عيوب أو تمزق خلال السلخ، وإسناد هذه المهمة إلى من يحسنها في البيت أو إلى جزار محترف، وضرورة مسح الجلد بالملح العادي وحفظه في الظل. قد لا تفلح الحملة الوطنية في استرداد القيمة المعنوية لفروات خِراف العيد، إلا أنه يعوّل على مساهمتها في مواجهة جزء من النقص المحلي في الجلد الخام. الفروة فخر الضيافة جاءت هذه الحملة إذاً فيما المغاربة على وشك أن يفقدوا صلاتهم التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بفروات خِراف الأضحى، في حين أنها حظيت على الدوام بأهمية خاصة. إذ لطالما شكّل خروف العيد فرصة سنوية لإضافة مصدر جديد للتدفئة في البيوت المغربية. بيد أن الفروة المنتظرة لم تكن تستخدم على نحو واسع لتدفئة أرضية الغرف الباردة في موسم الشتاء، بل كانت تحظى بمعاملة تفضيلية. كان في الإمكان أحياناً الاستغناء عن فرصة التدفئة هذه، مقابل أن يظل الفرو محتفظاً بجِدَّته ونظافته، فذلك يحفظ ذكرى العيد حية في الأذهان والوجدان. وكانت الأسر تراكم الفروة تلو الفروة، في العيد تلو العيد، حتى يتجمع لديها مخزون مهم من الفراء والجلود يمنح البيت دفئاً ولو لم يستدفئ بها أهله على نحو مباشر. كانت فروة خروف العيد مصدر فخر وتفاخر، وكانت هذه القيمة المعنوية الكبرى تعوض الحرمان منها كمصدر للتدفئة. ومهما ازداد عددها، كان في الإمكان دائماً التذكّر إلى أي خروف تعود هذه الفروة أو تلك، وكيف كان الخروف وفي أي عيد ذبح وبأية ذكريات أسرية ارتبط. وللتعبير عن ترحيبها بالضيوف، كانت الأسر تفرش فروات أضاحيها في مجالس الضيافة على الكنبات الصلبة لترطيبها، وعلى الأرضية لحماية أقدام الضيوف من البرد، ولتهيئة «فُرُشٍ» وثيرة للنوم. ولا يحول الصيف دون استخراجها من مكامنها العزيزة لأغراض الضيافة، فلها دائماً موقع مميز في البيت وبين الأهل والضيوف. ومن الطبيعي أن يبدأ طقس المعاملة التفضيلية قبل ذلك بكثير، أي لدى اختيار الأضحية في السوق، إذ يمكن أن تقصّر الأسر في الاستثمار في أمور عدة تفيدها، ولا تقصّر في بلوغ أعلى سقف إمكاناتها المادية لشراء أفضل خروف ممكن. والأفضل دليله فرو جيد المظهر والملمس، وحجم كبير لمن استطاع إليه سبيلاً. كان المغاربة يحرصون على ألا يصيب الفرو والجلد عيب أثناء عملية السلخ، ويزداد حرصهم أثناء عملية الغسل لتنظيف الصوف من الأوساخ وتمليح الجلد وتجفيفه درءاً للتعفن، ثم حكّه بالأحجار لإزالة الشوائب العالقة من لحم وشحم. كانت هذه الطقوس تحظى بمشاركة الصغار والكبار، الإناث والذكور، فتملأ حياة الأسرة بأخبار الفرو وتطورات عملية تحضيره للاستخدام النهائي، كما كانت تمنحهم فرصاً للقاء والنشاط الجماعي في ما يشبه أمسيات شاي مميزة عن بقية الأيام، قد لا تخلو من حزن أحياناً إذا ما تلفت فروة خروف أو تعفنت أو تمزقت. من «بوجلود» إلى «الصرعة» التجارية وأكثر ما كان يميز هذه الرعاية الجماعية الخاصة بجلد خروف الأضحى، كرنفال «بوجلود» الذي يقيمه الشباب، فيتدثرون بفرو الخروف فيخرجون بها إلى الأماكن العامة لإذكاء أجواء البهجة والفرح، وأحياناً يحظون ببعض النقود من المتفرجين والمارة. ولا يزال هذا الاحتفال الشعبي مستمراً إلى يومنا هذا في عدد من المدن والأحياء الشعبية والبوادي، لكن إشعاعه وانتشاره تراجعا عما كانا عليه في الماضي، لا سيما أنه لم يحظَ باحتضان السلطات العمومية التي ظلت تقف على حدود الترخيص له مراعاة للتقاليد القائمة، إلى أن تحركت في اتجاه آخر في تسعينات القرن الماضي محاولة احتواء ما اشتُبه بأنه قد يكون أحد مصادر تمويل الجماعات المتطرفة الناشئة في المغرب، وذلك من خلال حضّ المواطنين على عدم التصدّق بفروات الخِراف للغرباء الذين يطرقون الأبواب لجمعها بدعوى الأعمال الخيرية. لكن الميدان لم يعد اليوم لجامعي فروات الخِراف المجهزين بعربات وشاحنات صغيرة، إذ ينافسهم شباب الأحياء الذين وجدوا مصدراً جديداً لمصروف الجيب. ويشعر الكثير من الأسر، لا سيما من الطبقة المتوسطة، بالارتياح إذ يجدون من يخلصهم من الفروة، إذ لم تعد تملك الوقت لتحضيرها أو إيجاد من تتصدق عليه بها، والمسجد الذي يستقبل هذه الصدقة قد يكون بعيداً من الشقة. أما أركان البيت فلم تعد تتسع لفروة قد لا تتناسب مع الأثاث و «الفُرش» والأغطية العصرية. وإذا وُجد المكان، فقد يكون بعد صبغ الصوف بالألوان، وهذه «صرعة» تجارية طارئة لتسويق منتج «بائر» للسياح وبعض الزبائن المحليين.