على الأرض دفتر كبير مفتوح، وقدم امرأة على صفحة بيضاء! امرأة أخرى منحنية تحيط القدم بخط يرسم شكلها وحجمها. انتهت عملية أخذ المقاييس، وانتقلت السيدتان الى الاتفاق على بعض التفاصيل الأخيرة. الزبونة أميركية والأخرى صاحبة حرفة تقليدية في الهواء الطلق، ولغة التواصل فرنسية مكسرة وبضع كلمات بالعربية. التسليم في بحر الأسبوع، والبضاعة عبارة عن حذاء صيفي نسائي مصنوع يدوياً بأدوات ومواد طبيعية. في زاوية منعزلة تقريباً، في قرية الولجة المغربية على أطراف العاصمة الرباط، وهي مجمع صناعي لتشجيع الصناعات المحلية والسياحة، تعمل إلهام الوردي (26 سنة)، مع والدها على صناعة أحذية نسائية ورجالية بأشكال وألوان عدة لا تباع عادة في الأسواق ومحلات الأحذية التقليدية عموما. لكن الزبائن غالبيتهم نساء. صار البائع المتجول بائعاً مستقراً بعدما طال الزمن به في القرية. يقصد الزبائن ركنه المنعزل من دون تخلف، ويستطلع سلعته بفضول زوار القرية من مغاربة وأجانب، وهم يتجولون بين الممرات التي تحتوي على محلات تعرض أواني الخزف المحلية والأثاث والحديد والخشب وفسيفساء الزليج المغربي. يشد الخرازان بقوة على شرائط دقيقة بألوان مختلفة يصنعان منها غرزاً دقيقة تحيط بقالب الحذاء. ليست شرائط دوم كما يُخيل للزبائن الجدد، فتلك خشنة وتستخدم في صنع السلال والحبال. إنها خيوط نبات الرافيا المستخرجة من نخيل الرافيا الذي ينمو في بعض جزر المحيط الهادي والمحيط الهندي. ويعرف هذا النخيل بارتفاعه الشديد وكبر سعفه الذي يمكن أن يبلغ طوله أكثر من 20 متراً بعرض عشرة أمتار. وتتميز هذه الشرائط بالمتانة الشديدة والنقاء والطراوة والخلو من الأمراض. قالت الزبونة الأميركية إنها انجذبت لهذا المنتج لأنه جميل الشكل ومتقن الصنع، لكن أساساً لأنه بيئي، فهي قادمة من منطقة أوريغون، شمال غرب الولاياتالمتحدة الأميركية، المعروفة بصناعاتها البيئية المعتمدة على إعادة التدوير. أشارت إلهام إلى حذاءين صيفين لزبونة كندية اشترتهما من سنتين، وعادت بهما للتصليح! لا يزالان في حالة جيدة، فقط النعل هو الذي تآكل. يشتري الصانعان كيلوغراماً من الرافيا المستوردة من مدغشقر بستين درهماً (نحو 8 دولارات)، ويلونان بعضاً منه لتزيين الأحذية النسائية بالخصوص، ويقتنيان بقية المستلزمات من خشب لصنع قاعدة الحذاء وجلد صناعي خفيف للنعل بأربعة دولارت. لكن العمل على فردتي حذاء صيفي للنساء يستغرق منهما يوم عمل كاملاً، يعرضانهما بسعر 200 درهم (25 دولاراً)، ونظيره للرجال يومين، بسعر 250 درهماً (32 دولاراً). تفاجئ الأسعار الزبائن، الأجانب لرخصها، والمغاربة لغلائها. ومع ذلك، ليس زبائن عبد الغاني وإلهام من الأجانب حصراً. فتح عبد الغاني دفتر العمليات التجارية حيث رسومات الأقدام ليبرهن بأن زبائنه مغاربة أيضا. اتضح أن عددهم متساو تقريباً. br / جميع أفراد أسرة الوردي الستة خرازون. تصنع هذه الأسرة 60 إلى 70 فردة حذاء في الشهر، معظمها نسائية، وتجني من ذلك دخلاً يتحقق جله ما بين فصلي الربيع والصيف، ويتوزع على أشهر السنة ما بين 120 إلى 300 دولار. ثمة مصنوعات أخرى مثل حقائب اليد النسائية والأباجورات والمقاعد وديكورات منزلية مبتكرة، وُضعت صورها في ألبوم صغير مهترئ. تستقدم إلهام نموذجاً واحداً لأباجورة في شكل وردة من ابتكارها وحقيبة يد معلقة خلفها على الجدار الذي يستندان إليه. يحتاج الإبداع لفضاء مناسب، يقول الأب إنهما لا يستطيعان استثمار كل الطاقات الإبداعية التي يملكانها في الظروف القائمة الآن. إلهام هي من سيحفظ الحرفة من الاندثار في المستقبل، وربما تستطيع ذات يوم تحقيق حلم الأسرة بامتلاك محل محترم، وإبراز كل طاقتها الإبداعية.