ستؤدي الضغوط الدولية على المصارف السويسرية يوماً ما إلى تكبيدها خسائر مالية ضخمة من جهة، وتراجع في عدد زبائنها الأغنياء من جهة أخرى. ولكن تحركات مصرفية سويسرية موازية «انتقامية» الطابع تتجه إلى تعزيز التجارة بالحسابات المصرفية المشفرة، التي تعتبر «فخر» الصناعة المصرفية الوطنية. ويعني ذلك أن الملاحقات الضريبية الأميركية في حق أكثر من 80 في المئة من المصارف السويسرية لن تعطي نتائجها المنشودة على المدى القصير، بما أن الحسابات المشفرة مملوءة بأرقام يملكها زبون مجهول الهوية. ولا يخفي خبراء تعاظم نقمة المصرفيين إزاء سلوك وزيرة المال السويسرية ايفيلين فيدمر شلومف، التي يصفها بعضهم بأنها تخلت عن جنسيتها السويسرية لمصلحة الجنسية الأميركية في مقابل الحصول على معاملة شخصية «خاصة» مادية وغير مادية. ويذكر أن شلومف من أبرز المؤيدين لجباية الضرائب الأميركية. وتراجع عدد الزبائن الأميركيين الأغنياء في شكل لافت ومتواصل منذ مطلع السنة، كما أن كثيراً منهم بدأ يستشعر النيران الأميركية الضريبية التي قد تبتلع نحو 50 في المئة من ودائعهم في المصارف السويسرية. ولذلك، يرصد خبراء محليون هجرة جماعية لهؤلاء إلى إمارة ليشتنشتاين، التي تعتبر الأمل الأخير لهم في أوروبا. وفي حال انهيار قلعة الأسرار المصرفية في هذه الإمارة، يمكن القول إن أموال الأميركيين الهاربين من قبضة الضرائب في القارة القديمة ستصبح فريسة سهلة للجهات التي تطاردها. وفي ما يتعلق بانتعاش عدد الحسابات المشفرة في سويسرا، أشار خبراء إلى أنها تجاوزت منذ مطلع السنة 755 ألفاً على الصعيد المحلي. وقدر خبراء قيمة الأموال المودعة في هذه الحسابات ب13 تريليون فرنك سويسري (14.4 تريليون دولار). ولا يملك الأميركيون وحدهم حسابات كهذه، فالروس لديهم أنشطة مالية سرية في سويسرا يقدرها خبراء ب1.3 تريليون فرنك، بينما يحتل المركز الثالث رجال الأعمال الصينيون الذين ينتابهم الخوف من قبضة مصلحة جباية الضرائب الصينية. ولذلك، فضل قسم منهم الهجرة، أو تأسيس أعمال تجارية أو البقاء مع «سيولته النقدية» في سويسرا. ولا توافق حكومة برن على تبادل المعطيات المصرفية آلياً مع كل الدول، ومنها دول العالم الثالث، ومن دون تنسيق مسبق مع حكومات هذه الدول لدواع أمنية غير ضريبية. وتوقع مراقبون أن توسع المصارف السويسرية عمليات ترويج الحسابات المشفرة الجديدة المعروفة باسم «كريستال» إلى الخارج، لا سيما عبر فروعها في آسيا. وبالنسبة الى دول الخليج وشمال إفريقيا والشرق الأوسط، أوضح خبراء أن الحسابات المشفرة المفتوحة لمصلحة أغنياء هذه الدول لها أسباب سياسية، ومعظمها يأتي من خدمات وأنشطة استثنائية يقودها سياسيون عرب داخلياً وخارجياً. ويصل إجمالي قيمة الثروات العربية المودعة على شكل حسابات مشفرة في سويسرا إلى نحو 6.5 تريليون فرنك (7.1 تريليون دولار).