تستعد حكومة برن لإسقاط جدار آخر من قلعة السرية المصرفية السويسرية. إذ بات القانون الإصلاحي الجديد الذي يتطرّق إلى تشديد العقوبات على جرم تبييض الأموال، مطروحاً للدرس أمام اللجنة البرلمانية المختصة قبل توقيعه نهائياً. ولا تطاول الإصلاحات الأخيرة كل مَن يعمل على نقل رؤوس الأموال المشكوك في مصدرها من سويسرا وإليها فحسب، بل تقاضي كل مَن له يد في تسهيل عمليات النقل. وهذا يعني أن المصارف السويسرية بصرف النظر عن حجمها، فضلاً عن المؤسسات المالية الخاصة وشركات إدارة الأصول أي القطاع الائتماني السويسري بكامله، سيتأثر مباشرة بالإصلاحات القانونية التي لن تتأخر لحظة عن زجّ المتورطين لأعوام في السجن في حال التأخير عن إبلاغ السلطات المعنية بعمليات مالية مشبوهة تتدفق إلى خزائنهم أم تهرب منها. ولفت الخبراء البرلمانيون إلى أن التغييرات الصارمة التي ستطرأ على قوانين مكافحة تبييض الأموال في سويسرا لا سابق لها، من حيث الجودة والنوعية والصدقية. ومع ذلك، لن تُوقع مسودة مشروع هذه الإصلاحات، التي أرسلتها حكومة برن إلى البرلمان قبل سنة. وتندرج هذه الإصلاحات الرامية إلى إلحاق أقسى العقوبات في حق المتورطين في تبييض رؤوس الأموال المقدرة سنوياً بتريليونات الدولارات، في استراتيجية اعتمدتها سويسرا قبل سنتين تقريباً. إذ قررت حكومة برن التخلص من كل جهة تنسب إلى سويسرا «صفة» الجنّة الضريبية والملاذ الآمن لرؤوس الأموال «الوسخة». ويبدو أن الإصلاحات القانونية الجديدة تعكس موافقة حكومة برن، على تقبّل نصائح منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي نقلها مسؤولو الأخيرة إلى حكومة برن في حزيران (يونيو) 2012. علماً أن هذه المنظمة الدولية دعت الدول الأعضاء، ومن بينها سويسرا، إلى توحيد القوانين الهادفة إلى مكافحة تبييض الأموال. وفي الواقع، تهدف هذه المبادرة الدولية إلى الحد من المظلة الواسعة عالمياً، والتي تتيح للجنّات الضريبية التحرك براحة واطمئنان لخدمة زبائنها حتى في قلب الدول العربية. وأشار محامون مصرفيون سويسريون كبار إلى أن جرم تبييض الأموال سيُوقع عبر الإصلاحات الجديدة، شاملاً عمليات الغش الضريبي، وهذه نافذة قانونية لم تفتحها سويسرا من قبل. وستطاول العقوبات الجديدة كل مَن يساعد في تبييض الأموال، أو كل مشغل يوافق على إدخال رؤوس أموال مشكوك في مصدرها إلى خزينته. يذكر ان الوسطاء في تبييض الأموال يتقاضون، بالنسبة إلى المبالغ الكبرى، 200 ألف فرنك سويسري لكل عملية. ويأتي التحرك السويسري القانوني الإصلاحي الذي فاجأ كثراً، لمصلحة دعم اتفاقات سويسرا الضريبية، التي لا تزال متعثرة مع دول مجاورة مثل بريطانيا والنمسا. فلكل أجنبي حساب مصرفي سويسري، يجب فرض ضرائب معينة عليه وفق بارومترات كل بلد ينتمي إليه الزبون. يُذكر أن واشنطن انتزعت «بالقوة» اتفاقاً من برن، يُلزم كل المصارف السويسرية تزويد سلطات جباية الضرائب الأميركية معلومات حول الزبائن الأميركيين الموجودين لديها. ودفع ذلك مصارف سويسرية أخيراً، إلى تبني مبادرة جديدة معروفة باسم «استراتيجية الأموال النظيفة»، تخول هذه المصارف استقبال رؤوس الأموال من الخارج «حصراً»، عندما يُصرّح عنها لدى السلطات الضريبية في البلد الذي تنطلق منه هذه الأموال.